يرجى الاعجاب بصفحتنا على فايس بوك

يرجى الاعجاب بصفحتنا على فايس بوك
[bestpostsit9an][جديد][4]
الخميس، 28 يوليو 2016
الأربعاء، 27 يوليو 2016

تاريخ الادب العربي

تاريخ الأدب العربي هو التأريخ لنشأة وتطور والعصور التاريخية التي ألمت الأدب العربي. ويتضمن أهم أعلامه من الشعراء والكتاب. كما يتناول الأغراض الأدبية كالشعر والقصة، والمسرحية والمقامة والمقال والظواهر الأدبية، كالنقائض والموشحات وأسباب الهبوط والصعود والاندثار.

ويضم سيرة الشعراء وأخبار وطرائف الأدباء. ويمكن تقسيم تاريخ الأدب العربي تبعا للعصور التي توالت عليه بدءا بالعصر الجاهلي ثم العصر الإسلامي اللاحق و حتى الآن. فالشعر في الجاهلية من أقدم آدابها، لكن أكثره غنائي وحدائي. والأمثال كانت جزءا مهما من آدابها. والذين وضعوا الأدب الجاهلي هم من عرب شبه الجزيرة العربية لكنهم لم يكتبوا سوي المعلقات وكان يروي شفاهة مما كان يعرضه للاندثار والتحريف والتبديل والخلط.


نص كتاب تاريخ الأدب العربي - أحمد حسن الزيات انقر على الصورة للمطالعة
فهرست [إخفاء] 
1 العصر الجاهلي
1.1 الشعر الجاهلي
1.1.1 فنون الشعر الجاهلي وأغراضه
1.2 الغزل
1.3 المديح
1.4 الفخر
1.5 الرثاء
1.6 الهجاء
1.7 الحكمة
1.8 الوصف
1.9 النثر الجاهلي
2 بداية العصر الإسلامي
3 عصر صدر الإسلام
4 العصر الأموي
5 العصر العباسي
6 عصر الدول المتتابعة
7 العصر الأندلسي
8 العصر الحديث
9 انظر أيضاً
10 المصادر
11 المراجع
العصر الجاهلي

المقالة الرئيسية: الأدب العربي في العصر الجاهلي

عنترة بن شداد، وعبلة.

تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، الدكتور شوقي ضيف. انقر على الصورة للمطالعة.
العصر الجاهلي أقدم العصور الأدبية ويسميه بعض الدارسين عصر ما قبل الإسلام. وهو عصر موغل في القدم، بعيد العهد في الزمن والامتداد. موطن هذا الأدب العربي القديم هو الجزيرة العربية، أو شبه جزيرة العرب، ذات الصحارى الواسعة، والبطاح الممتدة، التي تحيط بها - أو تتخللها - جبال وهضاب مختلفة، منها ما يحاذي البحر الأحمر غرباً، ومنها ما يقع في اليمن جنوباً. فضلاً عن هضبة نجد التي ترتفع ممتدة في وسط الشمال، لتضم سلسلة أخرى من الجبال. وهذه المناطق جميعاً كانت في العصر الجاهلي ميادين لحروب وغزوات، ولأحداث سياسية، وظواهر اجتماعية وتجارية واقتصادية، وأثرت في الأدب الجاهلي، شعره ونثره. [1]


الشعر الجاهلي
ومهما يكن من أمر، فقد ورثنا عن تلك الحقبة الجاهلية أدباً ناضجاً في لغته وشعره ونثره، ولكن هذا الأدب الذي وصل إلينا لا يشمل الحقبة كلها، قبل الإسلام، ذلك أننا لا نملك نصوصاً مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب، وعن تطوره حتى بلوغه المرحلة التي كان عليها عند ظهور الإسلام. والمعروف أن أقدم ما وصل إليه علمنا من ذلك الشعر لا يرقى عهده إلى أكثر من قرنين عن الهجرة. وقد أشار الجاحظ إلى قضية قدم الشعر العربي فقال: وأما الشعر فحديث الميلاد، صغير السن.. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له - إلى أن جاء الإسلام - خمسين ومئة عام. وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام.

ومن أقدم الشعراء الذين عرفنا أخبارهم ووصلتنا أشعارهم امرؤ القيس بن حجر الكندي، الذي يقال إنه أول من وقف بالديار واستوقف وبكى واستبكى، لكنه هو نفسه يذكر شاعراً آخر أقدم منه، بكى الأطلال قبله، وهو ابن خذام، فيقول:

عوجا على الطلل المحيل، لعلنا نبكي الديار كما بكى ابن خذام
ولم يكن بنو كلب بدعاً في القبائل، فكل قبيلة ادعت لشاعرها أنه الأول أو الأقدم: فامرؤ القيس في اليمانية، وعبيد بن الأبرص في بني أسد، ومهلهل بن ربيعة في تغلب، وعمرو بن قميئة والمرقش الأكبر في بكر، وأبو دواد في بني إياد. وهؤلاء جميعاً متقاربون في الزمن، ولم يعثر العلماء على شعر قديم مدون بقلم جاهلي، وكل ما يعرف من هذا الشعر مستمد من أفواه الرواة الذين كانوا يتناقلون الأشعار الجاهلية عن طريق الرواية والحفظ. وتعود أسباب ذلك إلى انتشار الأمية عند العرب، وقلة وسائل التدوين والكتابة لديهم، إذ اقتصر على الحجارة الرقيقة، والجلود، والعظام، وسعف النخيل، وما إليها. ومن ثم كان المعلمون قلة بينهم.

وفي بعض الأشعار الجاهلية إشارات إلى وجود الكتابة ونقوشها، وهي ترد في مطاوي وصف الشعراء للأطلال والرسوم الدارسة، كقول الأخنس بن شهاب التغلبي، مشبهاً أطلال المحبوبة بالكتابة على الجلد الرقيق:

لابنةِ حطّان بــن عوف منــــازل كما رقش العنوان في الرق كاتبه
على أن استعمال الكتابة يقتصر على شؤون من الحياة الاجتماعية والتجارية وما إليها، مما يكون ميدانه النثر، من دون الاتكاء عليها في كتابة الشعر؛ لأن العرب كانوا يعتمدون في حفظ الأشعار على الرواية الشفوية، حتى في خطبهم ووصاياهم وأمثالهم، يسعفهم في هذا الحفظ ذاكرة قوية تأنس بموسيقى الشعر وأوزانه، خاصة، واعتادت ذلك حتى صارت سجية من سجاياهم، وطبيعة متأصلة فيهم، فضلاً عن حبهم للشعر وعنايتهم الفائقة بروايته وتناقله، لأنه ديوان مناقبهم، وسجل حياتهم وانتصاراتهم، ولم يكن لهم - كما يقول ابن رشيق - علم أصح منه. فلا غرو أن يكون دعامة السّامرعندهم، ومدارَ حلقات القوم لديهم، في مواسمهم وندواتهم، وقد أدى ذلك أيضاً إلى ظهور حلقات من الشعراء الرواة، الذين يأخذ بعضهم عن بعض، مما يمكن أن يسمى اليوم بالمدارس الشعرية، وأشهرها تلك التي تبدأ بأوس بن حجر، وعنه أخذ الشعر ورواه زهير ابن أبي سلمى. ولزهير راويتان: ابنه كعب، والحطيئة، وكان هدبة بن الخشرم راوية الحطيئة، وعن هدبة تلقن الشعر ورواه جميل بن معمر، صاحب بثينة، وراوية جميل هو كثير عزة، الذي يُعد آخر من اجتمع له الشعر والرواية.

و«لما جاء الإسلام شغل العرب والمسلمون عن الشعر بالغزو والفتوح. ولما اطمأنوا بالأمصار، واستقرت دولتهم، راجعوا رواية الشعر - كما يقول ابن سلام - فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب. وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عليهم منه كثير».

ومع ذلك، فقد نشطت رواية الشعر في القرن الهجري الأول، لأسباب مختلفة، ولازمها بعد قليل نشاط حركة التدوين عامة، ونشأت طبقة من الرواة الذين يتخذون رواية الأخبار عن الجاهلية وأيامها. وكان من نتائج ذلك وجود شعر مفتعل صنعه الرواة الوضاعون، ونسبوه إلى شعراء جاهليين، سنداً لعصبية قبلية، أو رفداً للقصص والأخبار، أو إذاعة لنزعة شعوبية، أو إرهاصاً للبعثة النبوية.

وقد عرف بالوضع من رواة الكوفة: خلف الأحمر، وحماد الراوية، كما اشتهر - إلى جانبهم - رواة ثقات من أهل البصرة والكوفة: كالمفضل الضبي، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبي عمرو بن العلاء، والفراء، وابن سلام، وغيرهم، ميزوا الشعر الصحيح من الشعر الزائف، وكان في مقدمة هؤلاء ابن سلام الجمحي الذي عالج هذا الموضوع مفصلاً في طبقاته، ومما قاله: وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة، ولا ما وضعوا، ولا ما وضع المولدون. كما أن في كتاب «الأغاني» إشارات كثيرة إلى أشعار منحولة، وأخبار موضوعة، نص عليها أبو الفرج بعد أن تفحص رواياتها، ورجع إلى دواوين الشعراء أنفسهم.

ومع كل هذه الجهود، وغيرها، التي حرص أصحابها على تنقية الشعر القديم من الشوائب الزائفة، وإيصاله إلينا صحيحاً موثقاً، قام في العصر الحديث لفيف من المستشرقين والدارسين العرب يثيرون قضية النحل والانتحال في الشعر الجاهلي، ويشككون في صحة هذا الشعر، على تفاوت فيما بينهم، شططاً وتحاملاً، أو اعتدالاً وحياداً، وبلغ الأمر ذروته عند المستشرق الإنكليزي مرغليوث Margoliouth الذي نشر سنة 1925م مقالة له بعنوان «أصول الشعر العربي» أنكر فيها صحة الشعر الجاهلي جملة، وأقام مذهبه هذا على مزاعم وتصورات متناقضة، جعلت بعض المستشرقين أنفسهم يردون عليه ويفندون آراءه، ومنهم جيمس لايل Lyalle ناشر المفضليات.

وفي مصر قام طه حسين يحذو حذو مرگليوث، حين نشر سنة 1926 كتابه «في الشعر الجاهلي» وضمنه آراء جريئة جعلت بعض العلماء والنقاد يردون عليه: كالرافعي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضري، ومحمد لطفي جمعة، ومحمد الخضر حسين.

وأدى ذلك إلى أن يعيد طه حسين النظر في كتابه، تعديلاً وحذفاً وزيادة، ويصدره في العام التالي 1927 بعنوان آخر: «في الأدب الجاهلي» بعد أن ضم إليه بحث النثر الجاهلي، وأفاض في شرح نظريته وتطبيقاتها، ووقف عند أسباب الوضع والنحل في الشعر العربي، كما أوضح أسباب الشك في الشعر الجاهلي، ودوافعه، ولخص ذلك بقوله: «إن الكثرة المطلقة - مما نسميه أدباً جاهلياً - ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم، أكثر مما تمثل حياة الجاهليين».

ولم يسلم - مع ذلك - كتاب طه حسين الثاني من النقد والتفنيد. ومرت السنوات بعد ذلك، ولم يكتب لنظرية طه حسين وأمثاله القبول التام، وإن أيقظت الأذهان، ولفتت الأنظار إلى ضرورة التثبت من صحة الشعر الجاهلي، بل صحة كل شعر، قبل روايته أو الاستشهاد به.

ويضاف إلى ذلك ظهور كتب ودراسات جديدة زادت من توثيق الشعر الجاهلي وتصحيح ما صحّ منه، ونوّهت بكثير من مصادره الأصلية، وفي مقدمة هذه الكتب كتاب «مصادر الشعر الجاهلي» لناصر الدين الأسد. وقد وجد الباحثون المعاصرون بين أيديهم عدداً من مصادر الشعر الجاهلي التي جاءت عن طريق الرواة الأمناء الصادقين، الذين وقفوا جهودهم على التحري والتثبت، ولم يخف عليهم وجود شعر جاهلي منحول كشفوا جانباً منه.

ولقد حازت آثار أولئك الرواة القبول والتقدير، وعُدّت مصادر أساسية للشعر الجاهلي. وأهم هذه الآثار:

ـ دواوين الشعراء القدماء، التي جمعت في عصر التدوين: كزهير، والنابغة، وامرئ القيس.

ـ دواوين القبائل العربية: كديوان الهذليين، الذي لم يصل إلينا كاملاً.

ـ المجموعات الشعرية الموثوق بها: كالمعلقات وشروحها، والمفضليات، والأصمعيات، والنقائض وشروحها، والحماسات.

ـ كتب الأدب، واللغة، والنحو: كالبيان والتبيين، والحيوان، ومجالس ثعلب، وعيون الأخبار، والكامل، والأمالي. وكذلك بعض كتب المتأخرين التي احتفظت بكثير من الأشعار الجاهلية التي ضاعت أصولها: كخزانات الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب، وكلاهما للبغدادي، وشرح شواهد المغني للسيوطي.

ـ الكتب النقدية البلاغية: كالموشح، والصناعتين، والموازنة والوساطة.

ـ كتب التراجم والطبقات: كمعجم الشعراء، والمؤتلف والمختلف، وطبقات ابن سلاّم، والشعر والشعراء، والأغاني.

فهذه المصادر وأمثالها، تجعل بين أيدينا مادة وافرة للشعر الجاهلي، وهذه المادة غنية وكافية، لكي تهيئ للدارسين مجالاً واسعاً للبحث والتحليل والموازنة، في رحاب أغراض ذلك الشعر وفنونه المختلفة.

فنون الشعر الجاهلي وأغراضه
هذا الشعر، الذي قيل فيه إنه ديوان العرب، يعد صورة للبيئة التي نشأ فيها أصحابه قبل الإسلام في كثير من جوانبها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والمعرفية، والدينية، كما يعكس ذلك الشعر طائفة من الجوانب النفسية، والمثل الأخلاقية للعرب، من شجاعة وفروسية وفتوة، ومن إكرام للضيف وإغاثة للصَّريخ وغير ذلك.

ومن ثم تعددت أغراض الشعر الجاهلي وفنونه، فكان فيه غزل، ومدح، كما كان فيه فخر، ورثاء، وهجاء، فضلاً عن الحكمة والوصف.

ووجود هذه الفنون والأغراض في الشعر الجاهلي، لا يعني أن القصيدة منه كانت خالصة دائماً لموضوع واحد، وأغراض لا تحيد عنه، فقد تضم غرضين أو أكثر، ولكنها تنسب إلى ما نظمت من أجله، هجاء، أو مدحاً، أو فخراً، وإن تخللتها موضوعات جانبية أخرى.

وأما أشهر الأغراض والفنون في الشعر الجاهلي فهي.

الغزل
يكاد الغزل يفوز بالنصيب الأوفى بين سائر الأغراض الأخرى، على تفاوت حظوظ الشعراء الجاهليين منه، ذلك أنه أعلق الفنون الشعرية بالأفئدة، وأقربها إلى النفوس، لما للمرأة من آثار عميقة في حياة الرجل، وتغذية عواطفه وأحاسيسه، ومرافقته في حله وترحاله، وفي حربه وسلمه، وزيارته لأحبته وذوي قرباه، ووقوفه على أطلالهم بعد الرحيل والفراق.

وفي موضوع الغزل، تتردد عند النقاد والدارسين، من قدماء ومعاصرين، أربعة ألفاظ تتقارب في مفهومها، وتتشابك في دلالاتها، وهي: الغزل، والتغزل، والنسيب، والتشبيب. وقد حاول بعضهم أن يبين الفروق المعنوية بينها، ولكنهم لم يصلوا إلى القول الفصل في ذلك.

ومن أبرز سمات الغزل عند الجاهليين، ظاهرة التعلق بالمرأة والسعي إلى مودتها، ووصف مفاتنها الجسدية. وإمام الشعراء في ذلك هو امرؤ القيس، الذي قضى شبابه في اللهو والشراب، وأصاب من الغزل والمرأة ما جعله السابق المجلّي في هذا المضمار. وأشعاره، ولاسيما معلقته، صُوَرٌ وحكايات لما كان بينه وبين النساء.

وكذلك ثمة جانب من هذا المذهب الحسي، في الحديث إلى المرأة وفي وصفها عند شعراء آخرين كالأعشى والنابغة الذبياني. ويمكن الخروج من قراءة أشعارهم الغزلية إلى جملة من المقاييس التي كانوا يعتدون بها في تقويم الجمال، والمفاتن الجسدية: فالمرأة تشبه بالدرة الصدفية حيناً، والدمية المرمرية حيناً آخر. وأصابعها لينة كالعَنَم، ولونها المفضل هو البياض، وخصرها ضامر نحيل، بخلاف ردفها الذي يستحسن أن يكون ثقيلاً مكتنزاً وساقيها اللتين يستحب أن تكونا ممتلئتين، والشعر طويل فاحم، والأسنان بيضاء نقية، والمشية هينة مترسلة.

وقد ينصرف الشاعر في غزله إلى التغني بفضائل المرأة وذكر مناقبها وكريم سجاياها، وعفتها، ولا سيما عند وقوفه على الأطلال توخياً لتهيئة الأذهان وشد الأسماع قبل الوصول إلى غرضه الأساسي.

أما تصوير الشاعر الغزِل لما يقاسيه من تباريح الصبابة، وما يعانيه من عذاب مقيم، وآلام مبرحة، وهيام طاغ، فهذا كله منبث في أشعار المتيمين من الجاهليين الذين قضوا حياتهم يعانون ألم النوى، ويقضون الليل ساهرين أرقين ويشكون من تجني المحبوبة، حتى تنحدر دموعهم، وتتقرح أكبادهم.

والشعراء، الذين سلكوا هذا المذهب، معظمهم من العشاق الذين عرفوا بالعفة والبعد عن الأوصاف الحسية للجسد، ومعاناة الأشواق اللاذعة، ويمكن أن يعد غزلهم النواة الأولى للغزل العذري الذي عرف في العصر الأموي، ذلك أن كل واحد منهم اقترن اسمه بصاحبته التي اشتهر بها، ومنهم عنترة صاحب عبلة، ومثلا المخبَّل السَّعدي ومَيْلاء، وعبد الله بن العَجْلان وهند، وغيرهم.

المديح
كانت للناس في العصر الجاهلي مثل عليا، ومعايير خلقية تعارفوا عليها، وورثوها عن أجدادهم، كالشجاعة والكرم، وحماية الجار، وإغاثة الملهوف وعراقة النسب. وجاء شعر المديح ليشهد بهذه السجايا وما هو منها بسبب: كالعقل، والعفة، والعدل، والرأي السديد. وقد يستدعي المقام والمناسبة ذكر مناقب أخرى تأتي في ساعتها: من جميل يؤثر، وصنيع يقدم، وأسير يطلق سراحه، فيكون الاعتراف بذلك الجميل، والشكر لذاك الصنيع.

وهكذا قام المديح مقام السجل الشعري في رسمه لنواح كثيرة من حياة الأعلام، ملوكاً، وسادة، وأجواداً، وبذلك أغنى التاريخ وكان رديفاً له ومتمماً، وإن كان يمتزج غالباً بالإسراف والمبالغة، ويختلط فيه الواقع بالخيال، والعقل بالعاطفة والحق بالباطل. ولذلك ينبغي أن يقف الباحث من شعر المدح موقف الحذر والنقد والتمحيص، وألا يأخذه على أنه صدق لا كذب فيه، أو حقيقة لا يشوبها الشك.

وقد سلك الشعراء المدَّاحون في العصر الجاهلي طريقين، أحدهما أو كليهما، الأول هو طريق التكسب والاحتراف، وميدانه قصور الملوك، ومجالس الأمراء، وأفنية الأشراف والأعيان. وقد انحرف الشعر إلى هذا الميدان على يد النابغة الذبياني، الذي سن للشعراء سنة المديح الرسمي - في تنقله بين قصور المناذرة والغساسنة - ومدح ملوكهم، كما سخر شعره لكل من يجود عليه أو يرعاه في كنفه، وكان هذا أول الاحتراف في المديح والتكسب به. وقد حظي النعمان بن المنذر بنصيب وافر من ذلك.

وجاء الأعشى ليسير على سنن النابغة في المديح، بل إنه أسرف في المسألة والتكسب، فأصبح يمدح كل من أعطى، ويشكر بشعره كلَّ من أكرم، حتى يخرج عن حدود التصديق، كما في مديحه للأسود بن المنذر اللخمي - شقيق ملك الحيرة - ولهوذة الحنفي.

ومن هؤلاء الشعراء المتكسبين أيضاً: حسان ابن ثابت، والمسيب بن علس، والمنخل اليشكري، والممزق العبدي، والحارث بن ظالم، وعلباء بن أرقم.

أما الطريق الثاني: فهو طريق الإعجاب والشعور الصادق. والشعر هنا يصدر - فيما يقول - عن حب عميق، وإحساس نقي، لا تملق فيهما ولا تزلف. وحامل لواء هذا الشعر هو زهير ابن أبي سلمى، الذي سخر شعره لكل من قام بإصلاح ذات البين، أو صنع مأثرة كريمة، نائياً بأشعاره المدحية عن المبالغة والشطط.

ومن ممدوحيه: هرم بن سنان، والحارث بن عوف، اللذان أصلحا بين عبس وذبيان، في حرب داحس والغبراء، وبذلا من أموالهما ديات القتلى حقناً للدماء، ونشراً للسلام بين المتحاربين.

الفخر
وهذا فن شعري تربطه بالمدح صلات وشيجة، فالمعاني التي تتردد في المدح، هي نفسها مما يتغنى به الشعراء مفتخرين. ذلك أن الحياة العربية في العصر الجاهلي قامت على مواجهة المخاطر، والمزاحمة على الماء والكلأ، والشجاعة في القتال، وما يتصل من ذلك كله بسبب: كالتغني بالبطولات وشن الغارات، وتمجيد الانتصارات، وكثرة العدد والعدة، ومنازلة الأقران، ونجدة الصريخ، والحفاظ على الشرف والجار، وهذه الأمور جميعاً أذكت قرائح الشعراء، ووفرت لهم أسباب التفاخر والتباهي، منفردين ومجتمعين، فانطلقت ألسنتهم بأشعار زاخرة بالعاطفة القوية، والانفعال العميق، تبرز فيها الحقائق التاريخية مجلببة بجلباب الخيال والمغالاة.

وهذا الفخر يكون قبلياً تارة تسيطر عليه روح حماسية جارفة، وهذا شأنه دائماً في مواطن الكر والفر، والأخذ بالثأر وتضييق الخناق على الأعداء، واستطابة الموت عند الحرب، إذ ينطوي شعر الفخر على دفقات قوية من الحماسة، ويكون من ذلك مزيج متلازم. ومن خير ما يمثل هذا الفخر القبلي الحماسي معلقة عمر بن كلثوم التغلبي، التي سجل فيها انتصارات قبيلته، ومنعتها، وما يتحلى به أفرادها من شجاعة وإقدام، وسطوة وهيبة وأنفة وإباء.

وهذه الحماسة المزهوة لا تحول دون إنصاف الشاعر لأعدائه، والإقرار بقوتهم وشجاعتهم، وعرفت في الشعر الجاهلي قصائد من هذا القبيل سميت «المنصفات» ومن أصحابها: العباس ابن مرداس، وعوف بن الأحوص، وخداش بن زهير.

ويكون الفخر تارة أخرى ذاتياً ينبعث من نفوس تهوى العزة والمجد، وتحرص على بناء المكارم، والتباهي بمآثرها الفردية، ويبدو هذا الفخر الذاتي لدى طائفة من الشعراء الفرسان والأجواد، كعنترة، وحاتم الطائي، وعمرو بن الإطنابة، والشعراء الصعاليك كالشنفرى، وتأبط شراً، وهنا يحلو للشاعر أن يتحدث عن نفسه وخصاله، وعراقة أصله، وطيب منبته، ومايتحلى به من كرم ومروءة وحماية للجار، وغير ذلك من الفضائل الخلقية. وفي معلقات طرفة بن العبد، ولبيد بن ربيعة، وعنترة بن شداد، صور كثيرة من هذا الفخر الفردي، تتلاقى على صعيد واحد، وقد وشحها أولئك الشعراء بذكر القصف واللهو، والفخر بشرب الخمرة في معرض الحديث عن الكرم والإكرام.

الرثاء
يلتقي الرثاء والمديح في أنهما كليهما إشادة بالمرء وإعلاء شأنه، لكن الأول إشادة بالميت وخصاله، والثاني إشادة بالحي وتمديد لمآثره وسجاياه. ويمتاز الرثاء أيضاً بأنه فن شعري ثابت المعاني والهدف، لأنه يعبر في معظم أحواله عن انفعال وجداني، وشعور عميق بالحزن والألم، حين تفقد الأسرة أو القبيلة، عزيزاً فيغمرهم الحزن وتتحرك الشاعرية لتعبر عن الأسى المشترك، والخسارة الفادحة والمجد الذي انهد ركنه، والشمائل التي حكم بها الموت للقبر والتراب. وقد يصحب تعداد شمائل الميت، والبكاء عليه، أخذ بأسباب العزاء فيه، ودعوة إلى الصبر على حدثان الدهر، والتأسي بمن طوتهم المنون من قبل، لأن الدنيا دار فراق وزوال، لا دار خلود وبقاء، وليس أمام الإنسان سوى الاستسلام للأقدار، والقبول بالقضاء.

هذه المعاني والأفكار، في جملتها تتردد في أشعار الرثاء عند الجاهليين، وقد يطغى جانب منها في القصيدة على آخر، أو تتفرع عنها معان جرئية، ولكن تظل المناحي الأساسية بارزة في تلك الأشعار.

وإذا كان المرثي ذا منزلة رفيعة لجأ الشاعر إلى المبالغة وتهويل الخطب وإشراك الطبيعة في استعظام المصاب.

وقد اشتهر عدد من الشعراء أجادوا الرثاء في العصر الجاهلي، منهم: المهلهل بن ربيعة، ودريد بن الصمة، وأعشى باهلة، ولبيد، وطفيل الغنوي، وأوس بن حجر، وأبو دواد الإيادي. كما عرف كثير من النساء بإجادة هذا الفن الشعري والنبوغ فيه، كالخنساء، وجليلة زوجة كليب، وسعدى بنت الشمردل. والرثاء عند هؤلاء الشعراء والشواعر، منه ما يكون في الأقرباء الأدنين: كما في رثاء المهلهل لأخيه كليب، والخنساء لأخويها صخر ومعاوية، ولبيد لأخيه أربد. ومنه ما يكون في أناس آخرين، من ذوي المكانة والشأن في قبيلة الشاعر، أو في غيرها من القبائل، ممن تقربهم إلى الشاعر صلات وثيقة. ومن ذلك قصيدة أوس بن حجر، التي رثى فيها فضالة الأسدي، وتعد من عيون المراثي في العصر الجاهلي: ومطلعها:

أيتهــا النفــــس أجملــي جـــزعاً إن الـــذي تحـــذرين قــد وقعــا
وقصيدة أبي دواد الإيادي، التي رثى فيها من طواهم الردى من شباب قبيلته وكهولها، وذكر ما لهم من صفات ومفاخر ومجد، وأشاد بما كان لهم من بأس وسخاء في أوقات الشدة والجدب، وما تحلوا به من عقول راجحة وآراء سديدة. وأول هذه القصيدة:

منـــع النـــوم، مـــاوي، التهمام وجـــدير بالهـــم مـن لا ينــــام
والرثاء عند الجاهليين يكثر فيه ترداد ألفاظ معينة، كالجملة الدعائية: «لا تبعد» أو «لا تبعدن» كما يكثر الدعاء بالسقيا لقبر الميت: «سقيا لقبرك» «سقاك الغيث» وذلك ليبقى ما حول القبر خصباً ممرعاً.

الهجاء
حظ هذا الفن في الشعر الجاهلي قليل؛ إذا قيس إلى الفخر أو الغزل مثلاً؛ ولكن أثره كبير في النفوس، ووقعه أليم في الأفئدة، لأنه يقوم على إذلال المهجو، وتجريده من الفضائل والمثل التي يفتخر بها القوم، أو التي بها يمدحون. ومن ثم الفخر، والمدح، والهجاء، تجمع ثلاثتها جملة من الفضائل وأضدادها، فالكرم، مثلاً، فضيلة لديهم، وفي مقابله تكون نقيصة البخل والشح، والشجاعة ضدّها الجُبن. وهكذا.

وعلى هذا، فإن الهجاء في الشعر الجاهلي هو انتقاص للخصم، وتعيير له بجملة من المخازي والمساوئ التي يستهجنها مجتمعه، فمنها ما هو في مجال الحروب والغزوات التي حفلت بها حياتهم: كالجبن، والفرار عند اللقاء، والوقوع في الأسر، ودفع الفدية، ومنها ما هو في حيز العلاقات الاجتماعية، والنقائص النفسية: كالبخل، والاعتداء على الجار، واللؤم، والغدر، والقعود عن المكارم، وما يتفرع عن ذلك كله من المعايب والسقطات التي يعدها العربي عاراً يبرأ منه، أو يحذر الوقوع فيه، لئلا يصيب منه الشاعر مقتلاً. فضلاً عما تحرص عليه القبيلة في أفرادها كافة من كرم الأحساب، ونقاء الأنساب، لئلا تتحطم سمعتهم، أو ينهار بناء أحسابهم وأنسابهم، فيكونوا نصباً للهجاء.

والهجاء عندهم على ضربين: هجاء فردي، وآخر جماعي يتجه إلى القبيلة نفسها وقد يجمع الشاعر بينهما.

وهجاء الجاهليين عامة يسلك مسلك الجد. ولا يدخله الإفحاش ولا الشتيمة الصريحة، ولكن ربما داخله شيء من السخرية والتعريض والتلميح الموجع، بدلاً من الهجاء المباشر.

الحكمة
الحكمة قديمة في أشعار الجاهليين، لأننا نعثر عليها عند أوائلهم، كامرئ القيس وعبيد بن الأبرص، كما حفلت بها قصائد الشعراء الآخرين على مر السنين. وحكمهم مستمدة من بيئتهم التي عاشوا في كنفها، حرباً وسلماً، وعلاقات وعادات، وأخلاقاً وسجايا.. وهذه الحكم صدى لصفاء الفطرة، ودقة الإحساس، وغنى التجارب، والقدرة على استخلاص العبرة من الحوادث، ولا تخلو، في الوقت نفسه، من قيمة تاريخية، ودلالة اجتماعية، ونواح أخلاقية، وفلسفة عملية تختلف من زمن إلى زمن، ومن إنسان إلى آخر، لأنها تعبر عن آراء أصحابها، ومواقفهم من الحياة والناس، وتفكيرهم في تقلبات الأيام. وتحمل في طياتها نظرات ثاقبة، وبصيرة واعية، إزاء قضايا الناس والحياة، ويسوقها الشاعر في مطاوي القصيدة أو في نهايتها.

وتعد المعلقات أوضح الأمثلة للقصائد التي تحفل بالحكم، على تنوع موضوعاتها وأغراضها، كمعلقة زهير، التي أرسل فيها نحو العشرين بيتاً، وبدا في سردها هادئ النفس، رصين التأمل، واقعي التناول لقضايا الحرب والسلم، والحياة والموت، وخفايا النفس الإنسانية.

وأما طرفة، الشاعر الشاب، فإن حكمه في معلقته تنبع من شخصيته العابثة، التي تريد أن تستبق اللذات قبل أن يفاجئها الموت، لأن الحياة أشبه بكنز يتناقص شيئاً فشيئاً، والموت سيأتي على كل حي، ولا راد لما يأخذ.

وتنبث الحِكم في قصائد الشعراء الآخرين: كلبيد، وعبيد بن الأبرص، وحاتم الطائي، وأوس ابن حجر وعلقمة بن عبدة، والأفوه الأودي. وانفرد منهم أمية بن الصلت بالإكثار من الحكم التي تعتمد على أخبار الأديان والأمم الغابرة، وقراءة الكتب، ولذلك اجتمعت فيها روافد التجربة والثقافة معاً. وكان طابعها دينياً ممزوجاً بالكلام على زوال الحياة وتحكم حوادث الدهر في الناس.

الوصف
الوصف يغلب على أبواب الشعر جميعاً، فهو باب واسع، يشمل كل ما يقع تحت الحواس من ظواهر طبيعية، حية وصامتة. وهكذا كان عند شعراء العصر الجاهلي الذين عايشوا الصحراء في حلهم وترحالهم، وألفوا القفار الموحشة، وما فيها من جبال ووديان ومياه وحيوانات أليفة وغير أليفة، فوصفوا ذلك كله لأنه وثيق الصلة بحياتهم وتقلباتهم.

وكانت الناقة صاحبة الشاعر في جوبه لتلك الفيافي والمفاوز، وعليها اعتماده في كثير من أحواله، لذلك أكثر فيها القول، وافتن في وصف أجزاء جسمها، وصور كل أحوالها في سيرها وسرعتها، وصبرها على مشاق السفر، حتى كادت الناقة تستأثر بنصيب وافر في طول القصائد التي نظمها أصحاب المعلقات وغيرهم، كبشامة بن الغدير، والمثقب العبدي، والمسيب بن علس، وأوس بن حجر، وغيرهم.

والفرس هو الحيوان الثاني الذي يرافق الشاعر الجاهلي، ويقاسمه العيش، ويتحمل معه التعب والعناء، والسير والسرى، ولاسيما في خروجه إلى الصيد، وخوضه الحروب. وقد عني العرب بالخيول الأصيلة، واتخذوا لها أسماء خاصة، وحفظوا أنسابها أيضاً، فلا غرابة أن يصفها شعراؤهم في قصائدهم، ولكل واحد من هؤلاء الشعراء طريقته الخاصة في وصف فرسه، سواء أكان ذلك في مجال الصيد واللهو، كامرئ القيس، أم كان في ميادين الحرب والقتال: كعنترة والمزرَّد، أم كان وصفاً عاماً للفرس، على أنه مجلى النظر وموضع الفخر، كما هو الشأن عند طفيل الغنوي وأبي دواد.

ولم يكتف الشعراء بوصف الناقة والفرس، وإنما وصفوا ضروب الحيوان الأخرى في بيئتهم ولاسيما الثور الوحشي، والبقرة الوحشية، وجعلوا وصفهم لهذين الحيوانين ذريعة إلى وصف الناقة بالسرعة والخفة عن طريق تشبيهها بأحدهما، وتخيل معركة ضارية بين الثور، أو البقرة من جهة، وكلاب الصيد من جهة أخرى. وتنتهي هذه المعركة غالباً بنجاة الحيوان الوحشي، وتغلبه على الكلاب، أو طعنه أحدها بقرنه.

كما يرد في قصائد الشعراء أوصاف لحيوانات أخرى: كالهر، والديك، والحية، والذئب،والنعامة، والغراب. وهذه الأوصاف كلها تأتي في ثنايا القصائد الطويلة، أما مطالع تلك القصائد فقد استأثر بها وصف الأطلال والرسوم الدارسة، التي تؤلف ركناً قوياً ثابتاً في أول القصيدة الطويلة، كالمعلقات وغيرها، إذ يقف الشاعر على تلك الأطلال ويصفها ويناجيها، ويذكر ما فعلته فيها الرياح والأمطار مشبهاً إياها بآثار الكتابة أو الوشم.

وكذلك وصف الشعراء الجاهليون مظاهر الطبيعة حولهم كالليل، والسحاب، والرعد، والبرق،ووصفوا كذلك الخمر ومجالس الشرب واللهو والحرب وأسلحتها المختلفة. وهذا كله يدل على عناية أولئك الشعراء وغيرهم بوصف كل ما يحيط بهم وصفاً دقيقاً، في بساطة وجمال، وصدق في التعبير عن المشاعر والإحساسات، وتعاطف مع الحيوان عامة، بوساوسه وحذره وجرأته. معتمدين على القالب القصصي في كثير من الأحيان، وعلى التشبيه وسيلة للأداء والتصوير.

النثر الجاهلي
بنى العرب مجدهم الأدبي، في العصر الجاهلي، على الشعر. ومع أن الكتابة كانت معروفة لهم - فإن ما وصل إلينا من نثرهم قليل جداً. وكانت الكتابة تقتصر على جوانب تتصل بحياتهم السياسية والاجتماعية والتجارية، من رسائل، وعقود ووصايا ومواثيق. وفي القرآن الكريم إشارات إلى كتابة الديون، وحديث عن رحلتي قريش.. ومثل هذه الرحلات التجارية تستدعي الكتابة والتسجيل.

وليس المراد بالنثر الجاهلي هنا ذلك النثر العادي الذي يتخاطب به الناس، وإنما المراد به النثر الأدبي أو الفني الذي يعنى صاحبه بتجويده، وإتقانه لينال إعجاب القارئ، من حكمة تقال، أو قصة تروى، أو مثل يضرب، أو خطبة تلقى، أو رسالة تدبَّج، أو وصية بليغة تنقل.

مثل هذا النثر الفني قليل الوجود بين أيدينا بلفظه الأصلي الذي صدر عن أصحابه لأن حفظ النثر أصعب من حفظ الشعر، لكن الذاكرة الأدبية للرواة اكتسبت على مر العصور أصالة ومراناً، مما أتاح لهم أن يحتفظوا بنصوص من ذلك النثر، في صورتها الأصلية، وبأخرى ليست موافقة لأصلها كل الموافقة، ولكنها صورة قريبة منه، يمكن من خلالها تحديد خصائصه الفكرية والفنية. وهذه النصوص النثرية الجاهلية، الأصلية والقريبة من الأصل، وردت في طائفة من المصادر الأدبية والتاريخية القديمة. وكان في تلك النصوص فنون أدبية نثرية، تأتي في مقدمتها: الخطابة - ويلحق بها المنافرات، وسجع الكهان - ثم الحكم والأمثال - ويلحق بها الوصايا والنصائح - ثم القصص، فالرسائل.

بداية العصر الإسلامي

انتشر الأدب العربي بسبب انتشار الإسلام بالقرن السابع. وكانت اللغة العربية قد انتشرت تحت لوائه لأنها لغة القرآن ولاسيما بالمشرق والمغرب والأندلس حيث تأثر المشارقة والمغاربة بالثقافة والعلوم الإسلامية. فكان الذين وضعوا الأدب العربي في ظلال الحكم الإسلامي هم من أجناس شتى . فمنهم العربي والفارسي والتركي والهندي والسوري والعراقي والمصري والرومي والأرمني والبربري والزنجي والصقلي والأندلسي. وكلهم تعرّبوا ونظموا الشعر العربي وأدخلوا أغراضا شعرية مستجدة وألفوا الكتب العربية في شتى العلوم.

عصر صدر الإسلام


نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر الإسلامي، الدكتور شوقي ضيف - في عصر صدر الإسلام وبنى أمية - في العصر الإسلامي والعصر الأموي. انقر على الصورة للمطالعة.
المقالة الرئيسية: الأدب العربي في صدر الإسلام
أحدث ظهور الإسلام تحولاً جذرياً في حياة الأمة العربية ونقلها من طور التجزئة القبلية إلى طور التوحد في إطار دولة عربية تدين بالإسلام وتتخذ القرآن الكريم مثلاً أعلى. وكان لابد لهذا الحدث العظيم من أن يعكس صداه القوي في الحياة الأدبية لهذه الأمة. شعراً ونثراً ومن الطبيعي أن النتاج الأدبي للأمة يتفاعل مع البيئة التي تظله ويخضع لمؤثراتها. [2]

وحين تُرصد الظواهر الأدبية في صدر الإسلام يتبين بجلاء ما تركه الإسلام من بصمات واضحة في مسيرة الأدب عصرئذ وفي سماته وخصائصه. ومن أبرز آثاره ضمور فنون أدبية كانت مزدهرة في العصر الجاهلي وظهور فنون جديدة أو تطور فنون قديمة. فقد قضى الإسلام على سجع الكهان الذي كان مرتبطاً بالوثنية الجاهلية ونهي الخطباء عن محاكاة ذلك السجع في خطبهم، وظهر لون من الخطابة يستقي من ينابيع الإسلام. وأخذ الشعراء يعزفون عن النظم في الأغراض التي كانت حياة العرب في الجاهلية تدعو إليها. واتجهوا إلى أغراض دعت إليها البيئة الإسلامية كشعر الجهاد والفتوح والشعر الديني، وأصبح شعرهم يدور حول معان تتصل بالقيم والمثل الإسلامية. وقد أوجد الإسلام مبادئ خلقية تلائم تعاليمه وروحه فانعكست هذه المبادئ في النتاج الأدبي عصرئذ.

وقد راجت مقولة تذهب إلى أن الإسلام وقف من الشعر والشعراء موقفاً مناهضاً مثبطاً، استناداً إلى قوله تعالى: "والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون" (الشعراء: 224-226). وتصحيحاً لهذه المقولة ينبغي التوضيح أن الشعراء الذين تناولتهم الآيات القرآنية إنما هم الشعراء الذين كانوا يحرضون على الفتنة، ويخوضون في الإفك والباطل، والذين كانوا يتصدون لهجاء الرسول عليه السلام والمسلمين، وليس المقصود الشعراء كافة، ولهذا استثنى تعالى الشعراء الذين لا تصدق عليهم الآيات السابقة بقوله بعدها: )إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( (الشعراء 227). وكان الرسول عليه السلام يميل إلى سماع الشعر الجيد، وكان يشجع حسان بن ثابت وشعراء الأنصار على مهاجاة شعراء المشركين، وكان يقول لحسان: «اهجهم وروح القدس معك»، فهو إذاً لم يدع إلى التخلي عن الشعر وإنما كان يقف موقفاً مناهضاً من الشعر الذي ينافي المبادئ والقيم الإسلامية، وقد أثر عنه حديث في إطراء الشعر وهو قوله عليه السلام: «إن من الشعر حكمة» (صحيح مسلم).

وكان للإسلام يد لا تنكر في ازدهار النثر الأدبي، ولاسيما الخطابة والترسل، فقد أصبحت الخطابة وسيلة لنشر الدين والوعظ وبيان مبادئ الإسلام والحض على الجهاد والدعوة إلى مكارم الأخلاق وبيان خطة الحكم، وكان الرسول عليه السلام وخلفاؤه خطباء مفوهين، وكذلك كان جل عمالهم وقوادهم. وقد دعا قيام الدولة الإسلامية واتساع سلطانها إلى الاستعانة بالكتابة والكتاب، وكانت الكتابة محدودة الانتشار في العصر الجاهلي فاتسع لها المجال في صدر الإسلام وأقبلت الناشئة على تعلم الكتابة.


نص كتاب تاريخ الأدب العربي لريجيس بلاشير الفصل 3 الخاص بالقرآن فقط انقر على الصورة للمطالعة
العصر الأموي

المقالة الرئيسية: الأدب العربي في العصر الأموي
أدى قيام الدولة الإسلامية إلى ظهور أدب إسلامي يغاير في كثير من خصائصه الأدب الجاهلي، بيد أن قصر حقبة صدر الإسلام (1هـ، 40هـ) لم يتح لهذا الأدب أن يمد جذوره وأن تنضج سماته الجديدة، فلما كان العصر الأموي أتيح لهذا الأدب الجديد أن يزدهر وأن تتضح قسماته، وساعدت على هذا التطور عوامل كثيرة سياسية واجتماعية ودينية.

وأبرز المؤثرات في الحياة الأدبية عصرئذ كانت المؤثرات السياسية. فقد نقل الأمويون حاضرة ملكهم إلى بيئة جديدة تغاير بيئة الحجاز هي الشام. وأسسوا ملكاً وراثياً يتداول فيه بنو أمية الحكم من دون سواهم ويقمعون كل معارضة تنزع إلى سلبهم ملكهم، وكان لجل خلفاء بني أمية مقدرة سياسية تجعلهم مهيئين لتولي مقاليد الحكم. وقد قوبل نزوع بني أمية إلى الاستئثار بالأمر بمعارضة عنيفة من طوائف من رعيتهم، منهم الخوارج الذين كانوا يريدون الخلافة شورية لا تكون وقفاً على قريش وحدها بل يتولاها كل من تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة ولو كان عبداً حبشياً. ومنهم الشيعة الذين كانوا يرون آل البيت أحق بتولي الأمر من جميع بطون قريش ومن جميع المسلمين ويجعلون الإمامة أمراً إلهياً، فالله اختار نبيه والنبي اختار وصيه علياً، وكل إمام يوصي لمن يليه، وقد اتهموا بني أمية بأنهم افتأتوا عليهم وغصبوهم حقهم الشرعي. على أن حزبي الخوارج والشيعة ما لبثا أن انقسما إلى فرق تختلف فيما بينها في طائفة من المعتقدات، فانقسم الخوارج إلى أزارقة - وهم أشدهم تطرفاً - وإباضية، ونجدات، وصفرية، وفرق أخرى أقل شأناً، وانقسم الشيعة إلى إمامية اثني عشرية، وإمامية سبعية (إسماعيلية)، وكيسانية، وزيدية. وقد قام كل من الخوارج والشيعة بثورات متصلة طوال العصر الأموي ولكنهم لم يستطيعوا تحقيق نصر حاسم لتفرق كلمتهم وقلة عددهم، ولكن ثوراتهم أدت إلى زعزعة أركان الحكم الأموي. ومن هذه الطوائف كذلك جماعة عبد الله بن الزبير الذي كان يرى أنه أحق بالخلافة من يزيد بن معاوية، وقام بينه وبين بني أمية نزاع دموي استمر عشر سنوات وانتهى بمقتله والقضاء على أصحابه سنة 73هـ. ومن هذه الطوائف من ثار على بني أمية لعدم رضاهم عن سياسة أميرهم، فثار عبد الرحمن ابن الأشعث على الحجاج ثورة كادت تزلزل أركان الحكم الأموي ولكنه أخفق في تحقيق النصر وانتهى الأمر بموته منتحراً، وثار يزيد بن المهلب على يزيد بن عبد الملك وانتهى أمره بمقتله.

ومن أهم ثورات الخوارج التي تمخض عنها عصر بني أمية ثورات الأزارقة الذين كانوا أشد الخوارج تطرفاً وتشدداً، وقد قتل زعيمهم نافع ابن الأزرق في موقعة دولاب مع أهل البصرة. وتوالت ثوراتهم بعد ذلك واستطاع القائد المحنك المهلب ابن أبي صفرة أن يبعد خطرهم ويصد حملاتهم وأن يقضي عليهم آخر الأمر. وفي الوقت عينه كان الخوارج الصفرية يشنون حملات عنيفة على مدينة الكوفة يقودهم الخارجي شبيب بن يزيد. وقد استطاع هذا الخارجي أن يهزم جيوشاً كثيرة أرسلها إليه الحجاج. بل لقد استطاع دخول الكوفة ومعه زوجه غزالة الحرورية، واضطر الحجاج أن يستنجد بعبد الملك الذي وجه لنجدته جيشاً من أهل الشام، وأخيراً هلك شبيب وزوجه وأخوه في موقعة على مشارف الكوفة. وفي أواخر العصر الأموي قام الخارجي الضحاك بن قيس الشيباني بحملة على الكوفة في جمع غفير من الخوارج واستطاع الاستيلاء عليها ولكنه هزم بعدئذ في موقعة مع جيش وجهه إليه مروان بن محمد وانتهى الأمر بمصرعه. ولم تكد ثورته تنطفئ حتى انطلق الخوارج الإباضية من بلاد اليمن إلى الحجاز واستطاع قائدهم أبو حمزة الخارجي أن يستولي على مكة والمدينة ولكنه لم يستطع أن يصد الجيش الذي وجهه إليه مروان بن محمد من الشام فقتل في موقعة بوادي القرى.

وعلى الرغم من إخفاق ثورات الخوارج فإن ثوراتهم المتصلة كانت من أقوى الأسباب في إضعاف الحكم الأموي وجعله عاجزاً عن الوقوف في وجه أنصار الدعوة العباسية.

وكانت ثورات الشيعة أقل خطراً من ثورات الخوارج، فقد أعلن الحسين بن علي خلافه على يزيد بن معاوية ولما قدم بآل بيته إلى الكوفة تخلت عنه شيعته فانتهى أمره بالقتل ومعه جل آل بيته. وكذلك أخفقت ثورة التوابين في إحراز نصر حاسم على بني أمية. واستطاع المختار الثقفي أن يستولي على الكوفة وأن يهزم جيش أهل الشام ولكنه لم يستطع التغلب على جيش مصعب بن الزبير وقتل. وكذلك أخفقت ثورة زيد بن علي بالكوفة لخذلان أهل الكوفة إياه فقتل وصلب كما قتل ابنه يحيى بعد ذلك.

ويتصل بالمؤثرات السياسية حركة الفتح الإسلامي التي بلغت أوجها في ذلك العصر، وقد استطاع الفاتحون المسلمون أن يمدوا حدود الدولة الإسلامية في حقبة قصيرة إلى أقصى المغرب وإلى بلاد الأندلس ومشارف بلاد الروم، وامتدت فتوحهم شرقاً إلى بلاد فارس وسجستان وخراسان وما وراء النهر وبلاد السند، فكان الفتح الإسلامي أسرع فتح عرفه التاريخ، وكان العرب الفاتحون حين يبسطون سلطانهم السياسي ينشرون معه عقيدتهم ولغتهم وأدبهم، كما كانوا يتأثرون بحضارة الأمم التي بسطوا سلطانهم عليها وبأدبها وعاداتها الاجتماعية. وقد أدت الفتوح إلى امتلاء أيدي الفاتحين بالفيء والأموال وأدى هذا إلى اختلاف نمط حياتهم اختلافاً بيناً عما كانت عليه يوم كانوا يعيشون حياة التقشف والضيق في جزيرتهم.

فكذلك وجد للأدب العربي في عصر بني أمية بيئات جديدة غير بيئة الجزيرة العربية، مهده الأول، فتلون الأدب بألوان هذه البيئات وتأثر بها، فكان لبيئات الشام والعراق وخراسان ومصر والمغرب والأندلس أثرها القوي في الحياة الاجتماعية والفكرية والأدبية.

ومن المؤثرات الاجتماعية في الحياة الأدبية كذلك ظهور طبقة الموالي التي كانت في تكاثر مستمر سواء من طريق الفتوح أو الشراء، وكان لا مفر من أن يكون لوجودها أثر واضح في المجتمع العربي كما كان لها أثر في الحياة الأدبية. فقد حذقت طوائف من الموالي اللغة العربية لنشأتهم بين ظهراني مواليهم العرب، ووقفوا على التراث الأدبي وما لبثوا أن شاركوا في الحياة الأدبية فظهر منهم الكتاب والشعراء. على أن بني أمية كانوا يقمعون أية محاولة يقوم بها الموالي لإبراز هويتهم القومية أو لرفع أصواتهم بنائرة العصبية المعادية للجنس العربي، فظلت الكلمة الأولى للعرب طوال ذلك العصر، على نقيض ما حدث في العصر العباسي.

ولئن أفلح بنو أمية في قمع العصبية القومية فإنهم لم يفلحوا في إخماد جذوة العصبية القبلية التي استعرت في ذلك العصر وبرزت على نحو أعنف وأبعد أثراً مما كانت عليه في العصر الجاهلي، وكان استعارها بفعل عوامل شتى اجتماعية وسياسية واقتصادية. وقد ظهرت في ذلك العصر التكتلات القبلية الواسعة فاحتدم الصراع بين العدنانية والقحطانية، كما نشب الصراع في إطار كل من هاتين الكتلتين. وقد تركت هذه الفتن القبلية صداها القوي في الحياة الأدبية، وفي الشعر خاصة، فنشط فن المناقضات وكثرت المفاخرات القبلية. ووقف الشعراء والخطباء وراء احتدام هذه العصبيات فكان الشعراء يلتقون في المربد والمحافل فيتفاخرون ويتهاجون والناس حلق حولهم وكل فئة تتعصب لشاعرها فتزداد نار العصبية بذلك اتقاداً.

وثمة عامل آخر كان له أقوى الأثر في الحياة الأدبية عصرئذ هو البلاط الأموي، وموقفه من الشعراء والخطباء. وكذلك موقف ولاة بني أمية منهم. فقد دأب خلفاء بني أمية وولاتهم على إكرام الشعراء الذين ينتجعونهم فأغدقوا عليهم الأموال بسخاء، فلا غرو أن يتجه الشعراء إلى فن المديح ويجعلوه فنهم الأول، وأن يتزاحم فحول الشعراء على أبواب الخلفاء والولاة يمدحونهم ويبالغون في إطرائهم ليظفروا بالعطايا والصلات، فإذا بفن المديح - الذي كان الجاهليون ينظرون إليه على أنه فن يزري بقائله - يغدو الفن الأول في الشعر العربي، وإذا بالشعراء المداحين يتنافسون في التقرب إلى أولي الأمر ليحظوا بالمال والشهرة فيخرج الشعر بذلك عن مساره الحق ويسلك مساراً آخر يبعد عن الصدق والأصالة.

وفي الميدان الفكري تظهر مؤثرات تتجه بالفكر العربي وجهات لا عهد له بها وتثير قضايا لم تخطر له من قبل، فيثور الجدل بين المسلمين في شؤون عقدية كالقضاء والقدر وحرية الإرادة والثواب والعقاب والكبائر ونحوها وتظهر الفرق الكلامية كالقدرية والمعتزلة والجهمية والمرجئة وغيرها ويشغل المسلمون بالجدل في هذه الأمور ويتلون الأدب الأموي من جراء ذلك بألوان فكرية تخصبه وتوسع آفاقه.

العصر العباسي


نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، الدكتور شوقي ضيف. انقر على الصورة للمطالعة.
المقالة الرئيسية: الأدب العربي في العصر العباسي
لم يكن هيناً على الأمويين أن يحتفظوا بملكهم طويلاً بعد عصر الراشدين، بسبب الثورات المتلاحقة التي كانت تنشب في وجههم وتنازعهم الحكم، ولاسيما ثورات الخوارج والشيعة والزبيريين. ثم كانت ثورة العباسيين سنة 132هـ/750م آخر حلقة في سلسلة تلك الثورات، التي أنهكت دولة بني أمية وآلت إلى القضاء عليها.

كان في مقدمة ماتطلع إليه بنو العباس التمركز في حاضرة جديدة بعيداً عن دمشق موطن الأمويين، وفي منأى عن الكوفة معقل الشيعة، وقد آثر الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور لذلك موقع قرية على دجلة تدعى بغداد على مقربة من مدينة بابل القديمة، واتخذها عاصمة لملكه وأطلق عليها لقب دار السلام مقتبساً ذلك من القرآن الكريم. وانصرف المنصور إلى إعمار حاضرته على خير وجه، فابتنى فيها القلاع والجسور، وأقام حولها الأرباض والسدود، ونشر في ربوعها الشوارع والأسواق.

وقد ظلت البادية حتى ضحى هذا العهد ترفد المدن والحواضر بمواد اللغة والأخبار، والخطب والأشعار، بوصفها موطن الأصالة ومنبع الإبداع. ثم أخذ الرواة واللغويون ينتشرون في حواضر العراق ويتجمعون في مدنها، حتى اكتظت بهم الكوفة والبصرة فضلاً عن بغداد. وفي هذه المراكز العلمية والأوساط الأدبية قامت حركة تدوين رائدة لم يكن لمثلها نظير. فنشط الرواة وكثر المؤلفون وراجت سوق الوراقين. وقد واكب ذلك على صعيد الأدب نبوغ عدد من الشعراء والكتَّاب الذين احتضنتهم هذه المدن، واتسم نتاجهم المنظوم والمنثور بكثير من ملامح الجدة والطرافة.

وما من ريب في أن الاستقرار السياسي، ولاسيما بعد انقضاء طور الفتوح والقضاء على الفتن، قد ساعد على الالتفات إلى شؤون الأدب والعلم وقضايا الفلسفة والفكر، وجعل الظروف ملائمة لتدفق العطاء وتفجر الإبداع. وكان من المعهود أن يولي الخلفاء كل ذلك اهتمامهم ويحرصوا على تشجيع ذوي المواهب، يعينهم على ذلك ثراء كبير تجمع في خزائنهم من موارد البلاد الواسعة. بل إن من الخلفاء أنفسهم من كان معروفاً بميله إلى الأدب وحبه للعلم مثل المهدي والرشيد، والأمين والمأمون، والمعتصم والمتوكل. كذلك سار أمراء بني العباس وولاتهم ووزراؤهم على غرار خلفائهم، فكان لكل منهم بلاط يقارب بلاط الخليفة أو يضارعه، من مثل ما كان لآل برمك، وطاهر بن الحسين، وعبد الله بن طاهر، ثم الصاحب بن عبّاد وابن العميد وعضد الدولة والمهلبي وسيف الدولة الحمداني.


نص كتاب تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الثاني، الدكتور شوقي ضيف .انقر على الصورة للمطالعة.
ويعد العصر العباسي أزهى العصور العربية حضارة ورقياً، كما أنه أطولها زمناً، إذ امتد حتى سنة 656هـ/1258م، حين تمكن هولاكو المغولي بجحافله اللجبة من اجتياح بلاد العراق والشام والقضاء على الدولة العباسية في بغداد التي دامت ما يزيد على خمسة قرون. [3]

وبوسع الباحث أن يتبين عهدين كبيرين في هذه الحقبة العباسية المديدة: عهد قوة ومنعة عاش فيه الخليفة عزيز السلطان مهيب الجانب، ويعرف بالعهد الذهبي الذي يصادف القرن الثاني وبعض القرن الثالث الهجري (القرنين الثامن والتاسع للميلاد)، وعهد انحلال سياسي، تخاذل فيه الخلفاء وضعفت في أيامهم هيبة الحكم. فما أطل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، حتى غدت بلاد فارس في حوزة بني بويه، والموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في قبضة محمد بن طغج ثم الفاطميين.

على أن التفكك السياسي لم يصحبه بالضرورة تقهقر حضاري ولا تخلف علمي، بل إن الفكر العربي الإسلامي، بما أوتي من قوة دافعة أكسبته إياها القرون الأولى الوطيدة، استطاع أن يمضي في طريق النضج والازدهار ويغمر الأرض بنور المعرفة وألق الإبداع. فقد تعددت مراكز الإشعاع الحضاري، إضافة إلى مدن العراق، فكانت مكة والمدينة في الحجاز، والفسطاط والقاهرة في مصر، وحلب ودمشق في الشام، والري وهمذان في فارس ثم بخارى وسمرقند في ما وراء النهر،وغزنة في أفغانستان وجرجان في خرسان.

وكان طبيعياً في غمار هذا الوضع السياسي والاجتماعي أن ينطوي ذلك المجتمع الجديد على تمازج في العادات والثقافات، وأن يفرز هذا العصر أصنافاً من العلوم وألواناً من الآداب، وأن يعكس ذلك على كل صعيد في الحياة العامة وفي جملتها الحياة الأدبية.

عصر الدول المتتابعة


نص كتاب تاريخ الأدب العربي - شوقي ضيف عصر الدول والامارات (الجزائر-المغرب الأقصي-موريتانيا- السودان). انقر على الصورة للمطالعة.

نص كتاب تاريخ الأدب العربي 10 موريتانيا والمغرب الجزائر تونس انقر على الصورة للمطالعة
المقالة الرئيسية: الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة
من العسير تحديد أطوار الأدب في عصر الدول المتتابعة بسنوات معينة، لتداخل بعضها ببعض. ويمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في كل حقبة من حقب ذلك العصر، وهي:

1- العهد الزنكي 521-579هـ/1126-1183م.

2- العهد الأيوبي 579-648هـ/1183-1250م.

3- العهد المملوكي 648-922هـ/1250-1517م.

4- العهد العثماني 922-1213هـ/1517-1798م.

ذلك هو الإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهو موطن حكم هذه الدول، وهو بلاد الشام ومصر، في المقام الأول، وبعض أرجاء الجزيرة العربية كالحجاز واليمن. أما ما كان خارج هذه البلاد في العصر العثماني فلا يدخل في إطار البحث، لأن المراكز الثقافية والفكرية والأدبية الكبرى كانت في أرض الشام ومصر في الدرجة الأولى.

ولعل معالم العهد الزنكي والعهد الأيوبي والعهد المملوكي متقارب بعضها من بعض أكثر من قربها من معالم العهد العثماني. [4]

ومن هذه المعالم أن اللغة العربية ظلت لغة رسمية للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع أن أصولهم غير عربية، ولغاتهم الأصلية غير عربية. أما في العهد العثماني، فقد غدت التركية لغة الدولة الرسمية، وبها تكتب المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسية، وتدرّس في المدارس، ويتحدث بها كثير من المثقفين والحكّام، ثم تأتي العربية في المقام الثالث، والدولة العثمانية لا تحاربها، ولا تقف عقبة في وجه من يسعى إلى تعلمها، لأنها لغة القرآن والإسلام، ولهما في النفوس أرفع مقام. يضاف إلى ذلك أن السلاطين العثمانيين استولوا من مصر والشام على خير ما في خزائن كتبهما كما أخذوا إلى العاصمة اصطنبول خيرة علماء العربية ومهرة الصناع والحرفيين. وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام وتدهور اللغة وتفشي اللحن والعامية والجهل والأمية إذ خلا البلدان ممن يرفع من شأن العربية.

اهتم الزنكيون والأيوبيون والمماليك بإنشاء المدارس، وحث الطلبة على العلم، ورصد المكافآت المغرية للمبرزين، وتكريم العلماء، وتوفير المناخ الطيب لإنتاجهم. وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس. والمساجد في عهدهم مواطن للعلم والدرس إلى جانب كونها للعبادة. وقد عرف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بولعه بإنشاء المدارس المنظمة، وعمارة المساجد، حتى إنه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك ويشرف على صيانتها. كما عرف بحبه للحديث الشريف، فأنشأ له مدارس خاصة، وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، وولى مشيختها أكابر المحدثين في زمانه، كالحافظ أبي القاسم علي بن عساكر.

وبذّ صلاح الدين الأيوبي سلفه نور الدين في الإنفاق على التعليم وإنشاء المدارس الكثيرة في مصر والشام، وقد حملت جميعاً اسم «المدرسة الصلاحية»، واشتهر صلاح الدين بأنه أعظم مشيد لدور العلم في العالم الإسلامي بعد نظام الملك السلجوقي، وأصبحت دمشق في عهده تدعى «مدينة المدارس». وقد وصف ابن جبير، في رحلته، هذه المدارس، ووجدها قصوراً أنيقة، ومن أحسن مدارس الدنيا منظراً.

وسار خلفاء صلاح الدين على سنته، فابتنوا مدارس كانت كل منها تنسب إلى بانيها، مثل: الظاهرية والصاحبية والعادلية والأشرفية والناصرية، وحتى نساء بني أيوب شدن عدداً من المدارس، كان منها «الشامية» و«الخاتونية»، وكذلك فعل كبار تجار العصر.

جاء عصر المماليك، وراح الحكام يتنافسون في إنشاء المدارس، حتى إن ابن بطوطة عجب من كثرتها، وذكر أنه لا يحيط بحصرها لكثرتها. وذكر من هذه المدارس: الظاهرية والمنصورية ومدرسة السلطان حسن، والسلطان برقوق، والمؤيد شيخ، وسواها.

أما في العصر العثماني فقد انقطع إنفاق الدولة على هذه المدارس كلها، ولم يبتن الحكام مدارس جديدة، وإنما تركوا الحبل على الغارب، فذوت تلك المدارس وأخذ عددها يتناقص يوماً بعد يوم. وحل محلها كتاتيب صغيرة تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. كما تعلِّم القرآن الكريم وتجويده. حتى إذا أوغل الحكم العثماني في الزمن، ران الجهل على البلاد العربية المحكومة، وصار من النادر وجود من يحسن القراءة والكتابة فيها.

وفي عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ازداد عدد العلماء والشعراء والكتاب والمؤلفين زيادة كبيرة لأسباب، منها هروب العلماء والأدباء من شرقي العالم الإسلامي إلى مصر والشام إثر اجتياح التتار، وهروب العلماء والأدباء من غرب العالم الإسلامي (الأندلس) إلى مصر والشام، بعد اجتياح الإسبان للدولة الأندلسية المسلمة، ومن تلك الأسباب الاستقرار الأمني الذي تمتعت به بلاد مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك، ورعاية حكامها للعلماء والأدباء، وتوفير المناخ العلمي والحياة الكريمة لهم مع الإجلال والاحترام.

وكان من نتيجة هذه العوامل أن استطاع العلماء تعويض المكتبة العربية الإسلامية بعض ما ضاع منها حرقاً أو إتلافاً أو سرقة، وكانوا في تأليفهم يعتمدون على ما وصل إليهم من العصور السابقة فيقومون بتصنيفه وترتيبه وتدوينه في كتب جامعة تقرب من الموسوعات. وكثرت في هذا العصر الشروح والذيول والحواشي، حتى سمي بعصر التحشية. لكن هذه الحقبة الخصبة نسبياً لم تستمر في عهد العثمانيين، وإنما اتخذ الشعر والتأليف مسار آخر، فيه من العقم أكثر مما فيه من الخصب. وكان لديوان الإنشاء، في عهد الأيوبيين والمماليك، أثر بالغ في النهضة العلمية، وازدهار الثقافة، لما كان فيه من إغراءات، وحوافز. وحين أبطله العثمانيون وأحلوا التزكية في الدواوين محله، تدهورت الثقافة، وانعدمت الحوافز، وساءت الكتابة بوجه عام.

العصر الأندلسي

المقالة الرئيسية: الأدب العربي في العصر الأندلسي
الأندلس والمغرب جزءان مترابطان من عالم واحد كان يعرف في القديم عند المشارقة بالمغرب الإسلامي، وقد ظلا يتمثلان طوال العصور الوسطى حضارة واحدة مشتبكة العلاقات في السياسة والفكر والاجتماع. وفي العلاقات البشرية المستمرة من هجرة واختلاط وتزاوج.

وقد كونت صقلية مع بلاد المغرب وشمالي إفريقية والأندلس وحدة ثقافية ذات طابع خاص جوهره التراث الثقافي العربي الإسلامي، وساعد في حفظه كثرة الانتقال والاتصال. [5]

وقد أدت الأندلس وصقلية دوراً بارزاً في النهضة الأوربية عن طريق نقل هذا التراث كما يشهد بذلك الباحثون، مما يجعل الحديث عن فضل الحضارة العربية الإسلامية من الوقائع التاريخية الثابتة.

وكان للأندلسيين عناية خاصة باللغة وعلومها وآدابها، إضافة إلى الفقه وعلوم الشريعة، وقد استقدم الخلفاء العلماء من المشرق لينقلوا معهم كنوزهم الأدبية فيتأدب بها الكثيرون. وكان للفقهاء في الأندلس سلطان عظيم لدى الدولة، ولدى عامة الناس.

واحتلت المرأة في الأندلس منزلة عظيمة، ونالت حظاً وافراً من التعليم، ونبغت في العلوم والآداب والفنون كثيرات: قيل إن مئة وسبعين امرأة بضاحية قرطبة الشرقية كن يعملن يومياً في نقل نسخ من القرآن الكريم بالخط الكوفي، وإن «إشراق العروضية» (القرن الخامس الهجري) كانت تحفظ «الكامل» للمبرد، و«النوادر» للقالي، وكان يعهد إلى النساء بتربية أبناء الأمراء والأغنياء وتأديبهم، فابن حزم تلقى ثقافته الأولى على يد نساء قصر أبيه، وهن علمنه القرآن، وروينه الأحاديث الشريفة، ودربنه على الخط.

وكانت الشواعر ملمحاً بارزاً من ملامح الشعر الأندلسي لوفرتهن ونبوغهن، وقد ارتبط سحر شعر النساء باسم ولادة (ت484هـ) بنت الخليفة المستكفي (ت 416هـ) فقد غشي منتداها فرسان النظم والنثر، ومنهم ابن زيدون (ت463هـ) الذي نعم بوصلها، وشقي بهجرها، فقال فيها أجمل الغزل وأرقه.

العصر الحديث

المقالة الرئيسية: الأدب العربي في العصر الحديث
حتى مستهل القرن التاسع عشر كانت الحياة العربية بمجملها تخضع لركود شامل في ظل سيطرة الدولة العثمانية على أقطار الوطن العربي، سواء أكانت تلك السيطرة قوية مباشرة كما في بلاد الشام والعراق ومصر، أم ضعيفة أو إسمية كما في أقطار المغرب العربي وبلدان شبه الجزيرة العربية.

وكان الأدب العربي، بصفته أحد أنماط تعبيرات تلك الحياة الراكدة عن ذاتها، خامد الجذوة ويكاد يقتصر على ترديد ما تخلف عما اصطلح على تسميته في تاريخ الأدب العربي باسم: أدب عصر الانحطاط، أو أدب الدول المتتابعة. [6]

وقبيل ابتداء القرن التاسع عشر أخذ الاصطدام العنيف بالغرب يهز ذلك الركود المتوارث هزاً شديداً. فقد جاء ذلك الاصطدام غزوات عسكرية تواصلت حتى ما بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وأسفرت عن استعمار مباشر لسائر أجزاء الوطن العربي باستثناء شمالي اليمن وأواسط شبه الجزيرة العربية. واستمر هذا الاحتلال حتى نهاية الحرب العالمية الثانية على وجه التقريب، كما تواصل في بعض الأقطار - كالجزائر - حتى منتصف عقد الستينات من القرن العشرين. أما في فلسطين فقد أقيمت دولة استيطانية ليهود العالم (دولة إسرائيل) الأمر الذي ترك نتائج مأساوية كبيرة ومباشرة على عرب فلسطين، ونتائج شبه مباشرة على بقية العرب في مختلف أقطارهم كانت شدتها متفاوتة بهذا القدر أو ذاك، بحسب قرب كل قطر أو بعده عن حدود تلك الدولة الاستيطانية.

ومع انتهاء الاحتلالات، وحصول الاستقلالات، كان نمط جديد من الاستعمار الاقتصادي العالمي يتولد من طبيعة عمل الرأسمالية العالمية وتطوراتها، ويترك آثاراً سلبية عميقة في نمو سائر المستعمرات السابقة، وخاصة في نمو أقطار الوطن العربي الغنية بمصادر الطاقة والفريدة في موقعها الاستراتيجي في قلب العالم الذي أخذت تتكاثر فيه القوى الكبرى المتصارعة اقتصادياً وأيديولوجياً.. وكل ذلك قد ترك - ولا يزال يترك - آثاره في سيرورات الحياة في المجتمعات العربية، فتنعكس في الأدب شكلاً ومضموناً.

إن ابتداء اصطدام العرب بالغرب، وما أحدثه من ارتجاج قوي على سطح الحياة العربية الراكدة في أعماقها، لم يسفر عن شعور عربي عام بالعجز وعن استثارة لمقاومة النتائج العسكرية للغزو المتوالي وحسب، بل هو أيضاً قد طرح على العرب مشكلة خمود طاقات الإبداع وتجلياته لديهم، كما طرح عليهم إشكالية اللحاق بركب التقدم العالمي تأسيساً على موروثهم الحضاري من جهة، وفي ظل الاستعمار ذاته من جهة أخرى. فالغزو لم يكن وقع آلة عسكرية وحسب بل كان يحمل معه أيضاً مفهومات النظام الحضاري الذي أنجز الآلة، والقيم البرغماتية لذلك النظام والمتضاربة جذرياً مع القيم العربية الإسلامية السائدة آنذاك، مثلما كان يحمل معه أدوات عمل، وأساليب تصرف، ونهج سلوك، ووسائل ترفيه فني، وكلها غير مألوفة...

واختصاراً كان وراء آلة الحرب الغازية ومعها كل ما تمخض عنه التكوين البنيوي الحضاري الغربي من معطيات غير مألوفة ولا معروفة، وحتى غير مقبولة، لدى العرب في حينها.

وإذا كانت غزوة نابليون لمصر في نهاية القرن الثامن عشر تعد افتتاحاً ومدخلاً لعدم اصطدام العرب بالغرب اصطداماً قوياً فعالاً فإنه من المفيد ذكر أنه كانت هناك احتكاكات غير صدامية تمثلت في قدوم إرساليات دينية (كاثوليكية - بروتستنتية - أرثوذكسية) إلى لبنان بوجه خاص، قبل غزو نابليون لمصر بأوقات متفاوتة، ولكنها لن تبرز على أنها قوى مؤثرة في تطورات الوضع العربي: الأدبي منه والفكري على وجه الخصوص، إلا في القرن التاسع عشر.

ولا بد هنا من عرض صورة إجمالية للوضع العربي في ظل الحكم التركي للإحاطة بأجزاء صورته المتكاملة وتبين حقيقة الفواعل التي ستؤثر في التاريخ الأدبي المعاصر في القرنين التاسع عشر والعشرين كما ستؤثر في تطورات أشكاله الفنية ومضموناته.

لقد أشير قبلاً إلى التفاوت في علاقة الأقطار العربية بالسلطنة العثمانية تبعاً لقربها أو بعدها عن اصطنبول (عاصمة السلطنة) ففي حين كانت أقطار المغرب العربي وكثير من أقطار شبه الجزيرة العربية لا تخضع إلا لسلطة إسمية للعثمانيين، إذ كان لكل من هذه الأقطار حاكم شبه مستقل ينتقل الحكم في ذريته بالوراثة، فإن مصر والسودان (وادي النيل) عرفتا تقسيماً للسلطة بين الولاة الأتراك (الباشاوات) وبين المماليك (البكوات) وغالباً ما كانت كفة ميزان النفوذ تميل لصالح هؤلاء إزاء كفة أولئك.

أما في بلاد الشام والعراق حيث كانت قبضة السلطة محكمة ومرهقة، فقد اعتمد نظام التقسيم إلى ولايات، ونظراً إلى ما كانت تعانيه السلطة من انحطاط عام، وإداري خاصة، فقد عمدت دائماً إلى تعيين ولاة همهم جباية المال إضافة إلى كونهم متنافسين متنابذين، وهو الأمر الذي جر الكوارث على الرعية، إذ عمت الفوضى، وانتشر الفساد، واختل الأمن اختلالاً مفزعاً، وكثرت المجاعات والأوبئة، وأثيرت الفتن الطائفية والحروب الأهلية.. فتدهورت الأوضاع الاجتماعية بعد أن تحولت خطوط التجارة بين أوربة والشرق عن المنطقة لتسلك طريق رأس الرجاء الصالح.

وبسبب من هذه الأوضاع المختلة إجمالاً تمكنت الدول الأوربية العظمى آنذاك (إنكلترة - فرنسة - روسية) من إيفاد إرسالياتها الدينية التي عمدت إلى إنشاء مدارسها الخاصة أول بأول.

وفي لبنان تمكن الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير (أواخر القرن السادس عشر) من أن يشيع، لوقت قصير، جواً من التحرر. وقد أسهم ذلك في تقبل نشاط الإرساليات الذي هيأ للتفاعل لاحقاً مع ما سوف يفد من فكر غربي مع الغزوات الاستعمارية المقبلة.

وفي فلسطين أثر ظهور الوالي الشيخ ضاهر العمر في ازدهار الحياة الاقتصادية ازدهاراً نسبياً، وكان أحد الزعماء المحليين في اليمن (مستهل القرن السابع عشر) قد تمكن من طرد الوالي التركي وإقامة حكم وطني دام وقتاً غير قصير. وإذا كان العثمانيون قد تمكنوا من استعادة شيء من نفوذهم على اليمن بعد ذلك فقد كان نفوذاً قلقاً ومكلفاً غير مستقر.

وفي أواسط القرن الثامن عشر ظهرت في قلب الجزيرة العربية (نجد خصوصاً) حركة إصلاح ديني قادها محمد بن عبد الوهاب (1703-1792م)، ورمت إلى تظهير العقيدة مما لحق بها من بدع وعرفت باسم الحركة الوهابية. وبتحالف أتباعها من أمراء نجد من آل سعود تمكنت هذه الحركة من توسيع نفوذها بعيداً.

وكان الإنجليز والبرتغاليون - والهولنديون إلى حد ما - يتنازعون السيادة على الشواطئ الجنوبية والشرقية لشبه الجزيرة، فتمكن الإنكليز من الفوز أخيراً بهذه السيادة.

تلك هي السمات الإجمالية لصورة الوضع العربي في ظل السلطنة العثمانية حتى مستهل القرن التاسع عشر. ولا ينتظر، في مثل هذه الأوضاع، أن تزدهر حركة فكرية أو نشاط أدبي، وعليه فقد كان النتاج الثقافي مقتصراً على التحشية والتلخيص والتفسير والجمع، وطغت الشكلية واللفظية طغياناً صارماً على الأدب خاصة.

غير أنه، تحت سطح هذه الصورة التي تبدو في غاية الخمود، كان هناك تململ واضح ورغبة في الإصلاح تذكيها مقارنة الواقع بالماضي، وتحرضها - إلى هذه الدرجة أو تلك - مجموعة التفاعلات المتقطعة مع طوالع الفكر الغربي التي حملتها مؤسساته التجارية والدينية، وقواها كون الوطن العربي معبراً لخطوط المواصلات والتبادل التجاري بين الشرق والغرب، قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.

وقد كان لمجموع ما ترافق مع غزوة نابليون لمصر - أو حملته عليها - آثار لا تنكر في إذكاء نزعة الاستقلال وروح النهضة. غير أنه لا يمكن للمرء أن يقر بالمبالغات التي نسبت إلى تلك الحملة والتي يجعلها كثير من المؤرخين سبباً وحيداً أساسياً لجملة التحولات التي ستحدث في الواقع العربي لاحقاً، بل لابد من رؤية ما ترتب على تلك الحملة في حدوده الموضوعية، بصفتها «رجة» كبرى في سياق تاريخي محلي وعالمي معقد ومتشابك ومركب.

لقد حمل نابليون معه مطبعة عربية كان قد استولى عليها من الفاتيكان، ولكنه خصصها في المدة القصيرة التي استغرقتها الغزوة (سنتين وبضعة أشهر) لطبع ما كان يهمه من منشورات دعائية. وقد أنشأ ما أسماه مجمعاً علمياً، ومكتبة للمطالعة، ومسرحاً للترفيه عن جنوده، كما شق بعض الطرق.. وهو ما يظهر مفصلاً في تاريخ الجبرتي، إلا أن الحملة واجهت عداء داخلياً وخارجياً قوياً، وشبت في وجهها ثلاث ثورات، وذلك ما منع استقرارها فانتهى بها الأمر إلى الجلاء عن مصر بعد هزيمة جيش نابليون أمام أسوار عكا، وتحطم أسطوله في أبي قير.

إن عرب مصر قد اطلعوا - بوساطة تلك الحملة - على المسرح والمطبعة والصحافة، وتعرفوا شيئاً من أهميتها وضرورتها، فتحرض الاهتمام بها، وهو ما ساعد لاحقاً على سرعة نشوئها في مصر، غير أنه ما كان لتلك «البذور النهضوية» أن تنمو إلا بوجود التربة الصالحة، فالحملة إذاً أسهمت في بزوغ النهضة، لكنها لم تكن إلا واحداً من أسبابها الرئيسة ليس أكثر.

وفي تلك الغزوة أو الحملة تم اكتشاف حجر رشيد، ثم استطاع مكتشفه العالم جان فرانسوا شامبليون Champollion حل رموز الخط الهيروغليفي فانكشفت حقائق تاريخية حضارية عريقة كانت مجهولة، الأمر الذي أوجد دافعاً إضافياً للعرب المصريين كي يتعجلوا ابتداء النهضة والخروج من حال الخمود السابق. كما أن العلماء المرافقين للحملة - وعددهم يزيد على أربعين - قاموا بتأليف كتاب من عشرة مجلدات، بالفرنسية، سموه، «وصف مصر» Description de l'Egypte صار فيما بعد عوناً للباحثين في تحري أوضاع ذلك القطر العربي من جوانبها المختلفة زمن الحملة.

ولعل أهم ما انجلت عنه الحملة هو أنها كانت سبباً في ظهور محمد علي، ذلك الضابط الألباني الطموح الذي قدم ليشارك في إخراج الفرنسيين من مصر، فلمع نجمه وانتهى به الأمر إلى أن ولاه الباب العالي (السلطان العثماني) عليها. ومع أنه لم يكن متعلماً فقد ظهر أنه كان يدرك جيداً فضل العلم في نهضات الأمم. فشجع العلماء وأرسل البعوث إلى فرنسة فكان من رجالها أوائل بناة النهضة الفكرية والثقافية في مصر. واستعان كذلك بضباط من فرنسة وغيرها لتدريب الجيش الحديث الذي أنشأه ولتنظيم مؤسساته. وفي الوقت ذاته أنشأ المدارس التي تعلم العلوم الحديثة وتعنى بترجمة كتبها، وأسس أول جريدة في الوطن العربي صدر بعضها باللغة العربية.

ولعل أهم خلفائه هو الخديوي إسماعيل (1863-1879) الذي أنشأ مدارس للبنات، وأسس المكتبة الخديوية (دار الكتب المصرية اليوم)، وقامت في عهده بعض الكليات الأمريكية في القاهرة والصعيد مثلما انتهى حفر قناة السويس (1859-1869) وتم افتتاحها، فاستعاد الوطن العربي مركزه ممراً لطرق التجارة العالمية بين آسيا وأوربة، بما لذلك من منعكسات مهمة على سيرورات التفاعل الثقافي العربي مع ثقافات القارتين المذكورتين.

أما الحملتان المصريتان على بلاد الشام (1831-1833 و1839-1840) فقد أشاعتا فيها جواً شجع علم الإرساليات فزاد بذلك من تفاعل أبنائها مع الفكر والثقافة الغربيين، إذ أسست تلك الإرساليات عدداً من المدارس واستجلبت مطابع لايزال بعضها يعمل حتى الآن.

وقد سبقت هاتين الحملتين حملة أخرى على شبه الجزيرة العربية (1812-1819) منيت بالإخفاق لكنها تركت شعوراً - ولو غائماً - بأهمية وحدة العرب وكما نبهت الأذهان إلى ما كانت تظهر بوادره من نهضة ثقافية في مصر.

وقد ضم محمد علي السودان إلى مصر محققاً وحدة وادي النيل، وذلك بين عامي 1821-1823. لكن الإنكليز قاموا باحتلال السودان بعد ذلك فواجهتهم ثورات أهمها ثورة المهدي (1881-1885)، وانتهى أمر السودان إلى ما سمي «السودان المصري الإنكليزي» في 1898 وكانت السلطة الفعلية فيه للإنكليز، ثم أصبحت مصر نفسها تحت الحماية البريطانية، وعلى أي حال فإن محاولات محمد علي لضم الأقطار العربية في دولة واحدة قد أيقظت حساً قومياً عربياً شعبياً. وهو ما سيظهر أثره بقوة.

ومع أن ليبيا ضمت إلى السلطة العثمانية عام 1556، فقد ظلت تتمتع باستقلال ذاتي، وخاصة في عهد الأسرة القرمنلية (1724-1853)، أما أقطار المغرب العربي الأخرى فلم تتبع السلطنة إلا إسمياً، واستقلت تونس عنها عام 1790 استقلالاً تاماً، وظلت الجزائر على تبعيتها الإسمية لاصطنبول منذ أن احتلتها عام 1518، أما سلطنة مراكش (المملكة المغربية اليوم) فلم تخضع للسيادة العثمانية مطلقاً. وفي عام 1830 احتلت فرنسة الجزائر، ثم تونس عام 1881، واحتلت إسبانية أجزاء من مراكش (سبتة ومليلة ومنطقة الريف) ثم احتلت فرنسة مراكش بأكملها بين العامين 1901-1904 وتخلت عن بعض أجزائها لإسبانية عام 1912.

وإذا كان الخمود الثقافي في أقطار الشمال الإفريقي موازياً لنظيره في بقية أرجاء الوطن العربي فإن الاحتلال الفرنسي لأقطار المغرب قد خلق وضعاً ثقافياً متناقضاً ولاسيما في الجزائر التي ضمتها فرنسة إليها وأعلنت أنها جزء منها وفرضت عليها لغتها حتى الاستقلال عام 1962، فذلك الاحتلال قد ولد اعتصاماًَ أشد بالثقافة الإسلامية التقليدية السائدة من جهة، ومن جهة أخرى فتح الأذهان هناك على ثقافة الغرب وفكره. لكن آثار ذلك سوف تتأخر في الظهور، وهذا ماجعل بواكير النهضة وتطوراتها خلال القرن التاسع عشر وقسم غير قليل من القرن العشرين تكاد تنحصر في مصر وبلاد الشام ثم العراق إلى حد ما.

وما يمكن أن يخلص إليه في هذا التقديم هو أن تلك النهضة يجب أن ينظر إليها في سياق فعالية النمط الحضاري الغربي وحركته الاستعمارية، وعد هذه النهضة محاولة للرد على تحديات حركة هذا النظام لوجود الأمة العربية من موقع الصراع معه من أجل البقاء والتقدم. إن ثمة منظومتين ثقافيتين تتفاعلان في إطار تناقضاتهما المفهومية والقيمية: الثقافة العربية الإسلامية، والثقافة الغربية الرأسمالية الاستعمارية. وفي الظروف السائدة حتى اليوم فإن الثانية هي المهيمنة، أما الأولى فمتعثرة الخطا وتابعة من منظور علاقات أصحابها بالغرب.

وهناك أخيراً أمراً لابد من الإشارة إليه لأنه يتضمن في النهاية إشكالية ذات صلة بالمصطلح الذي تندرج تحته مادة هذا البحث. فمصطلح «العصر الحديث» هنا يوحي بإشارة ضمنية إلى فكرة «الحداثة» Modernisme من حيث كونها تملأ هذا العصر بمعطياتها على سائر الصعد. وتعد «الحداثة» في منظور الفكر الأوربي - وهو مصدر هذا المصطلح - حالاً من القطيعة المعرفية الشاملة: فلسفياً وعلمياً واعتقادياً.. وحالاً من القطيعة الشاملة في التقنية والاقتصاد والبنى والعلاقات الاجتماعية.. بين ما أنجزته أوربة منذ ابتداء نهضتها حتى اليوم وما سبق ذلك في العصر الأوسط وفق تقسيمات التاريخ الغربي حسبما صنفها الفيلسوف الألماني هيغل Hegel.

ولما كان «العصر العربي الحديث» - أي القرنان التاسع عشر والعشرون - لا يتضمن شيئاً من تلك القطيعة الأوربية المركبة، ولما كانت التبعية هي سمته الكلية، ولما كان الأدب العربي فيه متأثراً بالضرورة بهذا الوضع التاريخي الحضاري الإجمالي التابع: سواء من حيث تاريخية إنتاجه أو من حيث أنماطه الفنية، ولدلالاته الفكرية والنفسية، وأساليب إنشائه «خطاب» محملاً بروح هذا العصر... فإن معنى «الحداثة» هنا لا يشير إلى تعبيرات فنية مؤصلة على تغيرات نهضوية جذرية متواصلة في الواقع المعاش، بل هي تشير إلى «تزامنات فنية عارضة» - إذا صح التعبير - لواقع يضطرب ويتماوج فيه خليط من مورثات مراحل الحضارة العربية إبان ازدهارها، لكنه خليط مأخوذ بصورة انتقائية، وخليط آخر من تناثرات ما يصل من علوم الغرب وفلسفاته وفكره وأدبه.. فيصطدم الخليطان ويتقاطعان عند حدين من رغبات العرب المتناقضة: رغبات تمسكهم بموروثهم، ورغبات لحاقهم بالغرب المهيمن عموماً.

إن هذه الإشكالية قد تركت ولا تزال تترك آثارها بقوة في الأدب العربي المعاصر. وهي إشكالية يجب أخذها دائماً بالحسبان عندما يوصف هذا الأدب وزمنه «بالحداثة». إذ بها - بوصفها تعبيراً عن انعدام القطيعة وعن التبعية السابقتي الذكر - ترتبط مختلف المصطلحات ذات الصلة بما هو معالج في هذه المادة.

وبمراعاة هذه الإشكالية يمكن القول: إن ثمة يقظة عربية عامة قد ابتدأت، نشطة، في مصر في زمن حكم محمد علي باشا، فلقيت تجاوباً سريعاً نسبياً في بلاد الشام. وأخذت القوى الكامنة في الأمة تتيقظ بفعل مختلف البواعث التي سبق ذكرها. فتسارع إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الكتب العلمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من كتب التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المكتبات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المختلفة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات «وسائل الاتصال الجماهيري» من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني. ولا يكاد قطر عربي يخلو اليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتعلمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.

انظر أيضاً

الأدب العربي
المصادر

^ محمود فاخوري. "الأدب العربي في العصر الجاهلي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-10.
^ إحسان النص. "الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-10.
^ عمر الدقاق. "الأدب العربي في العصر العباسي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
^ بكري الشيخ أمين، محمود سالم. "الأدب العربي في عصر الدول المتتابعة". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
^ هناء دويدري. "الأدب العربي في العصر الأندلسي". الموسوعة العربية. Retrieved 2013-02-11.
^ عزيزة مريدن، شكري محمد عياد، وائل بركات. شكري الماضي. أحمد يوسف داود. "الأدب العربي في العصر الحديث".
المراجع
مقال أحمد محمد عوف بمجلة منبر الإسلام
[hide]vte
الأدب العربي
حسب الفترة
العصر الجاهلي صدر الإسلام العصر الأموي العصر العباسي عصر الدول المتتابعة العصر الأندلسي العصر الحديث

أنواع
شعر(هجاء، مديح، غزل، فخر) غير روائي (التصنيف والكتابات، التاريخ والجغرافيا، اليوميات) روائي: (ملحمي، مقامات، معلقات، نثر) نقد
حسب الجنسية
عراقي سوري لبناني أردني فلسطيني سعودي بحريني قطري إماراتي عماني يمني كويتي مصري ليبي تونسي جزائري مغربي موريتاني صومالي سودني جيبوتي
مدارس أدبية
مدرسة أبولو مدرسة البعث والإحياء مدرسة الديوان مدرسة المهجر المدرسة الإنسانية
أدباء عرب - شعراء عرب - روائيون عرب
تصنيفان: أدب عربيجاهلية

النقد الادبي الحديث

الف: ماالنقد الأدبي؟

ب: المفهوم الحديث للنّقد الأدبي

ج: نشأة النّقد الأدبي الحديث

د: النّقد الأدبي المعاصر، قضاياه و اتّجاهاته

ه: مقاييس النّقد الأدبّي

و: مدارس التجديد و(مفهوم الأديب)

1- في القاموس المحيط ولسان العرب وغيرهما: النقد والتّنقاد والانتقاد تمييز الدّراهم وإخراج الزّيف منها، أنشدسيبويه:(1)

تنفي يداها الحصَي في كلّ هاجرةٍ
نفَي الدّراهم تنقادُ الصّياريف
و نقدتُ الدّراهَم وانتقدتها أخرجتُ منها الزَّيف فهذا المعني اللّغوي الأول يشير إلي أنّ المراد بالنقد التمييزبين الجيد والرّديء من الدّراهم والدنانير، وهذا يكون عن خبرة وفهم وموازنة ثمّ حكم سديد وهناك معني لغوي آخر يدلُّ عليه قولهم أيضا نقدتُ رأسَهُ باصبعي إذا ضربتُهُ ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتهاوعلي ذلك يفسّر حديث أبي الدرداء أنّه قال: إن نقدتَ النّاسَ نقدوكَ وإن تركتهم تركوكَ معناه إن عبتَهم وَاغتبتهم قابلوك بمثله فالنقدهنا معناه العيب والثلم أو التجريح وضدّه الإطراء والتقريظ من قرّظ الجلد إذادبغه بالقرظ وأديم مقروظ إذا دُبغ أوطلي به وذلك انّما يكون للتحسين والتّجميل فالنقد للذّمّ والتقريظ للمدح والثناء. ومن المعاني التّي تستعمل فيه هذه المادّة لدغ الحيّة، وقبض الدّرراهم و أخذ الطائر الحبّ واحدة . وأمّا في الّلغات الأوروبيّة فإن كلمة Critique مشتّقة من الفعل اللّاتيني Krinemبمعني «يفصل» أو يميز وحين يميز الشي ء عن شي ء آخر، في تلك اللغات فإن معني هذا أنّه يؤكّد وجود شي ء يمكن تصنيفه مع نظيرة من الأشياء الّتي لها صفات متشابهة معه بدرجة قليلة أو كثيرة وهذا يظهر معنيً أوليا لكلمة نقد وهو تميز شيء عن نظيره ويمكننا إذا تتبعنا تطور كلمة«نقد» في القرن السادس عشر، سنجد أنّها ظهرت في بادي ء الأمر في المجال الفلسفي للدّلالة علي تصحيح الأخطاء النّحوية أو إعادة صياغة كل ماهو ضعيف في المؤلّفات الأدبيّة اليونانية ثمّ تطوّر ذلك المصطلح في القرنين السابع والثّامن عشر، واتّسعت حدوده حتّي شملت وصف وتذوق المؤلّفات الأدبيّة في وقت معا.

امّا في القرن الماضي، فقداستخدمه عدد من الكّتاب والمفكّرين بمعني الحكم أو تفسير الأثر الأدبي، ويمكن أن يشف هذا المعني من الدّراسات التي أجراها «تين» و«برونتير» وغيرهما من المفكّرين الذين أعطوا للنقد طابعا وضعيّا، نتيجة تأثّرهم بمناهج وقوانين العلوم الطبيعة التي ذاعت في ذلك القرن فالنظرة السريعة عبرالإتّجاهات المختلفة في ذلك القرن كفيلة بأن تطلعنا علي أن أغلب المفكرين كانوا علي الدّوام يستخدمون كلمة «نقد» متأثره بمنطق العلم الوضعي.

أمّا في هذا القرن حيث تطورت العلوم الإنسانية واللغوية، نجدأنها (أي كلمة نقد)، قدأستخدمت من قبل عدد من النقاد بمعني فهم الأثر الأدبي والبحث في دلالاته ومعاينه.

ولكن مِن المؤكد أن كلمة«نقد» لازالت تبدو كلمة غامضة، فهي تستخدم تارة بمعني معرفة الأثر والحكم عليه أو فهمه، وطورا آخر بمعني تفسيره...(2)

فهذه هي أهّم المعاني اللغويّة لمادّة النقد ولعلّها أو أكثرها ملائم لما يرادهنا من معني، فقد استعمل النقد في معني تعقّب الأدباء والفّنيين والعلماء والدّلالة عَلي أخطائهم وإذاعتها قصد التشهير أوالتعليم، وشاع هذا المعني في عصرنا هذا وصارت كلمة النقد إذا أطلقت فهم منها الثلب ونشر العيوب والمآخذ وقديما ألف أبوعبيد اللّه محمّدبن عمران المرزباني المتوفّي سنة 438 ه (كتاب الموشح) في مآخذ العلماء علي الشعراء ضمنه ماعيب علي الشعراء السابقين من لفظ أو معني أو وزن أو خروج علي المألوف من قوانين النحو والعروض والبيان، وشاع بجانب ذلك عندنا تقريظ الكتب والأشخاص والمذاهب السياسية والاجتماعية والآثار الفنيّة مما يعد اكثره رياءً ومجاملةً دون أن يكون له حظ حقيقي من الحّق والإنصاف فهذا الاستعمال له أصل لغوي كما رأيت وإن لم يكن هو المقصود المقرّر بين النّقاد المنصفين.

2- أمّا المعني اللغوي الأوّل فلعلّه أنسب المعاني وأليقها بالمراد من كلمة النقد في الإصطلاح الحديث من ناحية وفي اصطلاح اكثر المتقدّمين من ناحية أخري فإنّ فيه كما مرّمعني الفحص والموازنة والتمييز والحكم وإذا ما وقفنا عندما يقوله الثقات من النقاد رأيناهم لايجاوزون هذه المعاني من حدّ النقد وفي ذكرخواصّه ووظيفته، فالنّقد دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازتتها بغيرها المشابهة لها أو المقابلة، ثمّ الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها، يجري هذا في الحّسيات والمعنوّيات وفي العلوم والفنون وفي كلّ شي ء متصّل بالحياة.(3)

وقد رأينا السّابقين الذّين كتبوا في النقد العربي أميل إلي حمل لفظ النّقد علي هذه المعاني المتواصلة، فنقد الشعر لقدامة ونقد النثر المنسوب له خطأ وكتاب العمدة لابن رشيق في صناعة العشر ونقده ثمّ ما يتّصل بذلك من كتب الموازنة، كلّها عبارة عن دراسة الشعر أو النثر وتفسيرهما وبيان عناصرهما وفنونهما ومايعرض لهما من أسباب الحسن أو القبح والتّنبيه علي الجيد المقبول والرّدي ء المنبوذ إلي نحو ذلك ممّا هو إيضاح وعرض ثمّ تفسير وموازنة ثمّ أحكام ونصائح أو قوانين نافعة في فنّ الأدب منظوما ومنثورا.

3- وهنا نستطيع أن نتقدّم قليلاً فنذكرما يقوله المحدثون في تعريف النقد فهو عندهم التقدير الصّحيح لأيّ أثر فنّي وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنّسبة إلي سواه والنقد الأدبي يختصّ بالأدب وحدّه وإن كانت طبيعة النقد واحدة أو تكاد، سواء أكان موضوعه أدبا أم تصويرا أم موسيقي(4)

فالنقد الأدبي في الاصطلاح هو تقدير النّصّ الأدبي تقديرا صحيحا وبيان قيمته ودرجته الأدبيّة ولإيضاح هذا التعريف وتحليله نستطيع أن نذكر بجانبه الملاحظات الآتية:

(1) يبدأ النقد وظيفته بعدالفراغ من إنشاء الأدب، فالنقد يفرض أن الأدب قد وجد فعلا ثمّ يتقدّم لفهمه وتفسيره وتحليله وتقديره ؛ والحكم عليه بهذه الملكة المهذّبة أو الملهمة الّتي تكون لملاحظاتها قيمة تمتازه وآثار محترمة أمّا القدرة علي إنشاء الأدب وتذوّقه فليس في مكنة النقد خلقها من العدم وإن كان يزيدها تهذيبا ومضاء علي أنّ هذه الملكات الثلاث إنشاء الأدب وقدرته ونقده قد توجد معا متجاورة متعاونة في نفس الأديب الموهوب.

(2) يدلّ هذا التعريف علي أنّ الغرض الأوّل من النقد الأدبي إنّما هو تقدير الأثر الأدبي ببيان قيمته في ذاته قياسا علي القواعد أو الخواصّ العامّة الّتي يمتازبه الأدب بمعناه العام أو الخاص وهو النوع التوضيحي الّذي يعيين علي الفهم الذّوق. وأمّا القول في درجته بالنّسبة لغيره فهو في منزلته الثانية ومثله في ذلك محاولة ترتيب الأدباء ترتيبا مدرّجا حسب كفاياتهم المتفاوتة أو وضع نظام الموازنة بين آثارهم المختلفة وهو النوع الترجيحي الذّي يعني بالمفاضلة بين الأدباء وذلك لكثرة الفروق الأساسية بين الشعراء والخطباء والكتاب و المؤلّفين وقلّما نجدمنهم طائفة بينها مشابهات تسمح بعقد هذه الموازنة التّي تحدّد براعاتهم المتقابلة فإذا سئلت عن جرير والفرزدق والأخطل أيّهم أشعر، فجوابك السّديد هو أن كلاً منهم أشعر معني ذلك أن كلاً منهم يفضل زميليه ببعض الصفات اللفظيّة أو المعنوّية أو الموضوعية في حين أنك قدلاتجد بينهم من وجوه الإتّفاق مايكفي لعقد موازنة صالحة، ومع ذلك فيستطيع كلّ إنسان أن يؤثّر ما يحبّه ويرفض ما عداه من آثارهما جميعا، وعلي النقد توضيح الميزات الجوهرية لتفوق كلّ شاعر، فيساعدنا بذلك علي تقدير كلّ منهم تقديرا أقوم وأهدي سبيلاً. (5)

(3) ومها تكن وظيفة النقد وغايته التي يعمل لتحقيقها فلابد للنّاقد أن يكون ثاقب النظر، سريع الخاطر، مهذّب الذوق،قادرا علي المشاركة العاطفية (التعاطف) مع الأديب والبراءة من المؤثّرات الّتي تفسد عليه أحكامه كمايمرّبك فيما بعد، وذلك كلّه فوق الثقافة الأدبية العلمية، والتمّرس بالأدب، ومعرفة أطواره التاريخيّة، وصلاته بالفنون الأخري، وحسن فهمه وتعمّقه، إلي أبعد غاية، ليتسّرله الإنصاف والحكم الصّحيح، وقداستطاع پوب (Pob) أن يرد المصادر الرئيسية التّي يستقي منها النقد إلي مراجع ثلاثة:(1) وهي فكرة الطبيعة (2) وفكرة آثار السلف (3) وفكرة العقل، ولابدّمن الرجوع إلي الثلاثة جميعا وليس معني هذا أنّ الأديب مُطالب بأن يكون موزعا بين هذه الثلاثة لأنّ سلطان كلّ من هذه المراجع مثبت لسطان سائرها فالواجب أولا أن نتبع الطبيعة ولكن لكي يتسنّي ذلك لابدّمن دراسة آثار القدماء، لأنّ القدماء كانوا علي وفاق مع الطبيعة، وليس هناك خلاف بين الطبيعة وبين الشعر القديم، ودراسة القدماء معناها دراسة الفنّ الأصيل الّذي ينطبق دائما علي العقل، وسيأتي إيضاح ذلك في أثناء الفصول الطويلة في كتب النّقد.

(4) وإذا كان موضوع الأدب هو الطّبيعه والإنسان، فإن موضوع النقد الأدبي هو الأدب نفسه أي الكلام المنثور أو المنظوم الّذي يصوّر العقل والشعور، يقصد إليه النقد شارحا، مُحَّلاً، معلّلاً، حاكما، يعين بذلك القّراء علي الفهم والتقدير، ويشير إلي أمثل الطرّق في التفكير والتصوير والتّعبير، وبذلك يأخذ بيدالأدب والأدباء والقرّاء الي خير السُبُل وأسمي الغايات والنقد يقوم علي ركنين مباشرين الناقد والمنقود ونكتفي هنا برأي ناقدين هما: رولان بارت وجولدمان.

يري رولان بارت: إن عمل النّاقد يتّسم بعدّة خصائص معيّنة، أهمّها تعقيل الأثر الأدبي تعقيلاً تامّا، اي النظر إليه وإلي وحداته أو عناصره علي ضوء مجموعة من المبادئ المنطقيّة.(6)

ويقول جولدمان: «إنّ النقدالأدبي أوّلاً وقبل كلّ شي ء هو الدراسة العلميّة للأثر وهذه الدّراسة تخصص علي أساس فهم وتفسير الأثر تفسيرا مماثلاً ويشرح لنا جولدمان المقصود بالتفسير المماثل، فيقول إنّهُ استخلاص المميزات الخاصّة للأثر المنبثقة من مجموعة علاقات منطقيّة وربطها بالملامح العامّة للبينات الكلية للمجتمع.

ب: المفهوم الحديث للنّقد الأدبّي
أخطر ما يتعرض له مفهوم النقد الحديث عندنا هوالفصل بين النقد بوصفه علّما من العلوم الإنسانيّة له نظريّاته وأسسه وبين النقدمن حيث التطبيق.

فمن الواضح ان هذه النظريات والأسس لا تتوحّدمع النتاج الأدبي بوصفه عملاً فرديا، فهي لم توجد ولم تتمّ متجرّدة من الأعمال الأدبيّة في مجموعها وملابساتها، ولكّنها نتيجة لعملّيات عقليّة تركيبية مبدؤها النظر الدّقيق والتأمّل العميق للنتاج الأدبي وثمرتها التقويم لهذه الأعمال في ضوء أجناسها الأدبيّة وتطورها العالمي. وإذن لا منافاة بين النقد نظرا وعملاً، بل لابّد من الجانب الأوّل ليثمر النقد ثمرته، بتقويم للعمل الأدبي، صادر عن نظريات تبيّن الملتقي العام للمعارف الجمالية واللغوية في تاريخ الفكر الإنساني وهي غير معزولة طبعا عن التجربة الأدبيّة، كما يزعم بعض أدعياء النقد وأعدائه الّذين ينعي علي أمثالهم جون استيورات ميل فيما قاله من قبل (عام 1831) هذا الرّجل نظريّ يقولها بعض النّاس ساخرين فتتحوّل الي نعت ظالم جديب، انّها كلمة تعبر في حقيقتها عن اسمي جهد للفكر الإنساني وانبله(7)

ويقوم جوهر النقد الأدبي اوّلاً علي الكشف عن جوانب النضج الفنّي في النتّاج الأدبي وتمييزها عمّا سواها علي طريق الشرح والتعليل ثمّ يأتي بعد ذلك الحكم العام عليها فلا قيمة للحكم علي العمل الأدبي وحده وان صيغ في عبارات طليّة طالما كانت تتردد محفوظة في تاريخ فكرنا النقدي القديم وقد يخطيء الناقد في الحكم، ولكنّه ينجح في ذكر مبررات وتعليلات تضفي علي نقدة قيمة فيسّمي ناقدا، بل قد يكون مع ذلك من اكبر النقاد، كما حدث للنّاقد العالمي سانت بوف في نقده لبعض معاصريه علي حين لا نعدّمن يصدر الأحكام علي العمل الأدبي دون تبرير فني ناقدا، وان أصاب اذما أشبهه حينئذٍ بالساعة الخربة تكون أضبط الساعات في وقت من الأوقات، ولكن لايلبث أن يتكشف زيفها في لحظات.

وأقدم صورة للنقد الأدبي نقد الكاتب أو الشاعرلما ينتجه ساعة خلقه لعمله يعتمدفي ذلك علي دربة ومران وسعة اطلاع وتقتصر اهميّة هذا النوع من النقد علي الخلق الأدبي. فكل كاتب كبير هو ناقد بالفعل أو بالقوة ولكن نقده قاصرعن مهمة التوجيه والشرح، وان استمر هذا النوع من النقد مصاحبا للخلق الأدبي في كلّ عصوره.

وغالبا مايكون النقد في مفهومه الحديث لاحقا للنتاج الأدبي لأنّه تقويم لشي ء سبق وجوده ولكن النقد الخالق قديدعوإلي نتايج جديد في سمائه وخصائصه فيسبق بالدّعوة مايدعواليه من أدب بعد افادته وتمثّل للأعمال الأدبيّة والتيارات الفكرّية العالمية، ليوفق بدعوته بين الأدب ومطالبه الجديدة في العصر وهذا النوع من النقد مألوف في العصور الحديثة لدي كبار الناقدين والمجدّدين من الكتاب وقد كان خاصّة العباقرة الذين دعوا إلي المذاهب الأدبية في مختلف العصور، فساعدوا علي أداء الأدب لرسالته، وأسهموا كثيرا في تجدّده مع ارساء دعواتهم(8) علي فلسفة جماليّة حديثة تضيف جديدا إلي ميراث الإنسانية ولاشكّ أنّ قصور الثقافة النقدية لدي اكثر كتابنا من ابرز الأسباب في تأخّر ادبنا ونقدنا معا في هذا العصر. وهذا ما يتخلف فيه هؤلاء الكتاب عن نظراتهم في الآداب العالمية الحديثة.

ج: نشأة النقد الأدبي الحديث
طبقا لما اتخذنا لأنفسنا من منهج، ولما عَرَّفْنَا به النقد الحديث، لن نعبا في نشأة النقد العربي بالأحكام العامّة التّي كان يصدرها الشعراء في القديم بعضهم علي بعض مع عدم التعليل لها، ممايروي بعضه في أسواق الجاهليّة إذا افترضنا صحّته، وكثيرمنه واضح الإنتحال ويلتحق بذلك ماكان يدور في نظير هذه الأسواق في العصر الإسلامي، كسوق المربد بالبصرة وكان التحكيم في النقد في هذه الأسواق وفي المربد ونظائرها قريب الشبّه بما كان من التحكيم المسرحي في الصعور اليونانية القديمة قبل نشوء النقد المنهجي عندهم، مما سبق أن قومناه من وجهة نظر نقد الحديث، ولعل خير ما يستدر ثمرات هذا الإتّجاه، ويستخلص منه أقصي غاية له، هو ما عبرالجا حظ حين نصح الكاتب والشاعر بالاحتكام إلي ذوق الصفوة من الجمهور والثقة في ذلك الذوق دون ضرورة التماس تعليل فني منه: « فاذا أردت أنْ تتكلّف هذه الصناعة وتُنْسَبَ إلي هذا الأدب، فقرضتَ قصيدة، أو حبَّرتَ خطبة، أو ألّفتَ رسالة فإيّاك أن تدعوك ثقتك بنفسك، أو يدعوك عُجبك بثمرة عقلك، إلي أن تنتحلَه وَتَّدعِيهُ ولكن اعرِضه علي العلماء في عُرْضِ رسائلَ أو أشعارٍ أو خطب، فإن رأيتَ الأسماعَ تصغِي له، والعُيونَ تَحدجُ اليه، ورأيتَ مَن يطلُبُه ويستحسنه، فانتحله، فإذا عاوِدت، (9) أمثال ذلك مرِارا فَوَجدْتَ الأسماعَ عنهُ منصرفة، والقلوب لاهية، فخذ في غير هذه الصناعة واجْعَل رائدك الذّي لايكذبكُ حرصهم عليه أو زهدهم فيه».(10)

ولمّا كان عهد النّهضة واتّصل الشرق بالغرب، وقف أبناء هذه البلاد علي أساليب الغرب في هذا الباب، وعرفوا أنّ النقد ذو أصول وطرق، وادركو اماله من أهميّة في توجيه الكتابة والتّأليف، وماله من أفضال علي نهضة الشعوب وكانت العلوم والفلسفة قد أدركت شوطا عظيما من التّقدم، والعقل قدوقف أمام الماضي موقف الشكّ وأمام الحاضر والمستقبل موقف التفّهم والكشف علي الاسرار الطّبيعة، وتعدّدت في هذا العهد وسائل التحرّي، ونشرت الطباعة ماكان مخبّا أوما كان في متناول العدد القليل من النّاس ونُبشت خزائن المخطوطات و هكذا كان لإتّصال الشرق بالغرب وبأساليبه التقليدية ولتخرّج الطلبة عَلي أساتذة توفّرلهم الذّوقُ الفنّي والثّقافية الأدبيّة الرّاقية ولقتدّم العلوم السيكولوجيّة والتّاريخية، ولا تّساع المجال لحرّية القول والكتابة ولا سيما بعدالحرب الكونيّة الأوُلي أثر بليغٌ في نشأة الرّوح النقديّة العصريّة عندأبناء الشّرق، فوثب النّقد وثبة عظمية وراح يجري علي مقاييس عقليّة وفلسفيّة، ويعتمد المنطق ومتقصّيا المعاني قبل المباني، متجرّدا من الأميال والأهواء الشخصيّة قدر المستطاع، لاينظر إلّا بعين العلم ليزن كلّ شي ء يميزانه(11)

فلّما كان العصر الحديث أخذالأدباء يثوبون إلي أنفسهم، بل قل أخذوا يتكشفونها من جديد استكشافا؛ وكان البارودي من أسبق شعرائنا إلي ذلك، بل كان إما مهم غيرمنازع، فقد صورنفسه وعصره وظروف قومه وثورتهم علي الخديوي إسماعيل وتوفيق وموقفهم من ذلك تصويرا رائعا ثمّ كان الإستعمار الغربي المشؤوم، فانبري شعرائنا مع الشعوب العربيّة يصارعونه وأخذوا يصوّرون متاعس هذه الشعوب وحرمانها من حقوقها السياسيّة والطّبيعيّة في العيش الكريم وبذلك انبثق في شعرنا لونان جديدان؛ هما الشعر السياسيّ الوطني والشعر الإجتماعي، علي نحوما هو معروف عن حافظ ابراهيم وأحمد شوقي وأضرابهما وظهر جيل جديد مِنَ الشباب في أوّل هذا القرن يستشعر في أعماقه نكبة الإحتلال ومايذوقُ المصريين من ظلم وعذاب، فاكتأب وقلق وصوَّرَ هذه الكآبة والقلق شعرا بديعا عبدالرحمن شكري وابراهيم عبدالقادر المازني وعبّاس العقاد وظلّ كُتابنا في مقالاتهم يناهضون المستعمر الغاشم وينازلونه، ولا أبالغ إذا قلت إنّ أقوي قوّة حاربنا بها الاستعمار في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن هي أقلام كتابنا من أمثال عبدالله نديم ومصطفي كامل ومحمّد فريد واضرابهم فقد جسموا بؤسنا السياسي والإجتماعي، واتّخذ محمّد المويلحي من أسلوب المقامات القديم إطارا لكتابه حديث عيسي بن هشام مصوّرا فيه أحوال مصر البائسة في أوائل القرن تصويرا ارائعا وظهرت القصّه بمعناها الفنّي الدّقيق، و يعرف القارئ عن قصّة زينب لمحمّد حسين هيكل وقدكتبها في أوائل العقد الثاني من هذا القرن، و ثُرنا علي المستعمرين الغاصبين في سنة 1919 م وسجل هذه الثّورة توفيق الحكيم قصصا بديعا في «عودة الروح» و نزل إلي ميدان الصحافة والكفاح السياسي اليومي هيكل والمازتي والعقّاد، ومازالو يصلون الإ تجليزنارا حامية من أقلامهم وكتاباتهم وغيرهم كثيرون اشتركوا معهم في هذا اكفاح العظيم.(12)

ومعني ذلك أن أدبنا رغم بروز العناصر التقليديّة فيه لم ينفصل عن حياتنا جملة في القديم والحديث وأن كثيرا من الأدباء كانوا يعدون أنفسهم مسئوولين أمام الضمير الشعبي، فهم يصدرون عنه فيما ينظمون ويكتبون ومانقوله عن مصر يجري علي غيرها من البلاد العربيّة؛ فليس هناك أدب في عصرنا لبلد عربي يعتزل حياة أهله ويعيش وراء قضبان الحياة الفردية الذاتية الخالصة (13)

د قضايا منهجيّة للنقد الأدبي وإتّجاهاته
لقد بدأ الإلتفات إلي ما يسمّي بمناهج النقد مع نهضة العلوم الطبيعيّة في القرن الماضي، وقداستطاع عدد من الباحثين والمفكرين أمثال تين Taine وبيرونتيير Brantiere وهنكان Hennequin ولانسون Lanson وغيرهم ممّن استعملوا خلال هذا العصر مناهج نقدّية ذات خصائص واتّجاهات متعدّدة متأثرة بمناهج العلوم الطبيعيّة فقد ازدادت الإهتمامات بمعالجة الظواهر الأدبيّة نظرا لما حدث فيها من تغييرات، نتيجة تحوّلات أعترت المجمتع والبنية الثقافية في ذلك العصر، وقدكان من مظاهر هذا التغيّر، تغير نظرة الباحثين والمفكرين في معالجة الظواهر الأدبيّة، فقد ظهرت الحاجة لديهم إلي الإستعانة بالمنهج الوضعي الّذي ارتبط بظروف هذه المرحلة بشكل مباشر. ولكي تتوافر هذه الأرضية التجربيّة للنقد الأدبي، أنكر بعض نقادالأدب، الإنجليزي والفرنسي الإتّجاه الأكاديمي الخالص في بداية القرن العشرين، ورفضوا الإتّجاهات النظرّية البحتة للدّراسات الأدبيّة، بهدف تحرير النقد من آثار الميتافيزيقا، وجعله يرتبط بالنظرة الوضعية بكيفيّة معيّنة ولذا رأوا أنّه من الضروريّ البدء بدراسة الظّواهر الأدبيّة المختلفة، وفق طبيعة مناهج العلوم الوضعيّة وذلك لكي يصبح النقد علما وضعيّا قائما بذاته ولعلّ هذا الإتّجاه قدأدّي إلي تكوين تباعدبين النقدمن جهة والفلسفة من جهة أُخري، وهذا التباعد أدي بلاشكٍ الي نقصٍ واضحٍ في مجال الدّراسات الأدبيّة والفنيّة، وفي ظلّ هذا الإتّجاه يودّالنقد الأدبي أن يصبح علما وضعيّا بعد أن ينفصل عن الفلسفة، ويتحرّرمن خضوعه للتيّار التّأمّلي الميتافيزيقي.(14)

ب - مدارس التجديد (ومفهوم الأدب) بعد عصر النّهضة
دَبَّت حركة النهضة بالتجديد في بداية الفترة الّتي حصل فيها الإحتكاك بين الشرق والغرب، بقصد الغزو للحصول علي موارد جديدة في بقاع جديدة، حيث ارتبطت حركة الغزو بحركة فكرية في مجالات الحياة المختلفة، ومنها الحركة الفكرية النقدية للأدب، فتشكّل نتيجة الواقع تياران للنقد الأدبي العربي.

الأوّل: محافظ وكان استمرارا للنقد العربي التقليدي القديم

والثاني: مُجَدِّد أفاد في نقده من معرفته للآداب الأروبيّة.

التيارالأوّل (التقليدي):
كان هذا التيّار اكثر انتشارا وأقوي سلطانا، وكان يمثّله الشيخ حسين المرصفي في الوسيلة الأدبية حيث كان يلقي محاضراته علي أساس هذا التيّار علي طلّابه في دارالعلوم عند إنشائها (1870 م)

ونقدُ المرصفي ضمن هذا التيار في الوسيلة الأدبيّة يقوم علي موازنات لها ثوابت علي وفق النقد العربي القديم، من هذه الثوابت.

1- توجيه بعض النقدات دونما تقليد، معتمدا علي الذوق الخاصّ

2- العناية بالنقد اللّغوي كما كان عندالقدامي

3- مؤاخذة الشاعر في السرقة من حيث اللفظ والمعني لاسيّما إذاكان السابق أصلح من اللّاحق

4- عدم استحسانه للبيت الذّي يكثرلفظه، ويقلّ معناه كبيت أبي فراس الحَمد انّي (طويل)

فما جازَهُ جُودٌ ولاحَلَّ دوُنَه
ولكنْ يَصيرُ الجودُ حَيثُ يَصيرُ
5- عنايته بجزئيات العمل الأدبي دونَ وحدته، وشاهد ذلك الأبيات المتناثرة من القصائد المختلفة الّتي كان ينقدها ونظر اليها منفصلةً عَمّا قبلها وعمّا بعدها.

6- تأكيده علي أن تكون القصيدة مترابطة الأجزاء متناسقة البناء لايقع منها بيت في غير موضعه.

7- إقراره بتباين شعرالشاعر الواحد بين الجودة والرداءة فهولا يري شعرالشاعر الواحد بمنزلة واحدة فقد يجوّد أحيانا وقد يَسِفُّ أحيانا أُخري.نلاحظ إذن اُنّ نقده فيه ملامح من التجديد، وان كان تقليدا لِمَن سبقه لَأنّ «الوسيلة» خلقت البارودي (محمود سامي 4190 م) وأحمد شوق (1932 م) وحافظ ابراهيم (1932 م) و غيرهم(15) (والظاهر أنّ الوسيلة الأدبيّة للمرصفي بما فيها من شعرالبارودي أنشأت أكثر من شوقي و حافظ(16)وقد استمّر هذا التيار النقدي حتي تخطي القرن التاسع عشر الي القرن العشرين مستغرقا النصف الأوّل منه.

التيار الثاني (التجديدي)
هذا التيار كان معاصرا للتيار المحافظ، وتميزعنه في أنّه أفادمن معرفة أُدبائه للآداب العالميّة كالآداب الاوروبيّة، والعثمانية، والفارسيّة، وغيرها.

وكان يهدف:

أوّلاً إلي تحرّر الشعر العربي من القيود القديمة.

ثانيا الي معالجة الموضوعات الّتي تهم هذا الشعر. ويتميّز هذا التيار بمايأتي:

1- الأخذ بالإنتقاص علي شعر المدح، وبدء القصائد بالغزل، فتري مثلاً أحمد فارس الشدّياق (1887 م) يتهكّم علي الشعر العربي، إذ يراه مغرقا بالمدح والتهاني في المناسبات

2- الدعوة إلي التخلّص من التقليد، والتمسك بالإلتزام، خاصّة التزام الصدق، ومراعاة أحوال العصر.

3- الدعوة إلي وضع النظريات الشعرية والخروج إلي المحيط العربي بالتخلّص من الذاتية والانطواء - بالتقاط الأحداث الّتي ألمّت بالأمّة العربيّة.

ويشمل هذا التيار مدارس التجديد وهي
1- المدرسة العراقية: وحملت شعلة النهوض والتجديد في موضوعات الشعر علي أيدي شعراء كثيرين منهم عبدالحسن الكاظمي (1935 م)، جميل صدقي الزهاوي (6193م)، معروف عبدالغني الرصافي (5419 م)، محمدرضا الشببي (5619م)، ومحمّد مهدي الجواهري (1997 م).

2- مدرسة المهجر الشمالي والجنوبي(17) وكان يمثلها الكثيرون من الأدباءمنهم جبران خليل جبران (1931 م)، إيليا أبوماضي،ميخائيل نعيمة، وعبدالمسيح حدّاد.

ج: مدرسة الديوان في مصر:
أنشأها مجموعة من الأدباء منهم أحمد شوقي (1932 م) والرافعي (مصطفي صادق 1937 م)، والمازني (ابراهيم عبدالقادر (9419 م) وعبدالرحمن شكري (1958 م)، والعقاد (عبّاس محمود 6419 م)

د مدرسة أبوللو في مصر وشمال أفريقا:(18)
شكلّها أدباء كثيرون من المغرب العربي ومشرقه منهم أحمد شوقي (1932 م) وخليل مطران (9419 م) وإبراهيم ناجي (1953م)، وأحمد زكي أبوشادي (1955 م) والشابي (أبوالقاسم) والسيّاب (بدرشاكر).
1- المدرسة العراقيّة «مدرسية التجديد».
كانت حركة الشعر في العراق أبرز الأنواع الأدبيّة تطوّرا إبتداءً ونشاطا حيث شكلت مدرسة جددت في المضامين مع كونها قرويةً ومتعةً لإشباع نفوس أصحابها. فقد وظّفت الشعر لخدمة الأمّة، وأرادمنه أن يتصدّي لحكم الطغاة والمستعمرين وكانت هذه المدرسة نفئات مصدورِ قبل الكاظمي، ثم صارت واضحة المعالم في شعره، فقد دعا الكاظمي (عبدالمحسن 5618 م 1935 م) إلي الوعي الوطني والقومي، ولمّ الشَمْلِ، ونفي من أجل ذلك من العراق إلي مصر، ثمّ واصل المسيرة من هناك حاثّا الشعب العراقي إلي ترصين تآلفه، فجعل للشعر هدفا ساميا، قال من قصيدته (سيروابنا مجزوء مضمر الكامل).

سيرو ابنا عَنَقا وشَدَّا
سيرواِبنا مَمْسيومَغْدي(19) سيروا نَذِبُّ عَنِ الحمِي ونَردُّ عَنَهُ المُسْتَبدّا
ثمّ تتابع جيلٌ واع من الشعر المعاصر للكاظمي، أو لاحق له في متقدّمتهم الزهاوي (جميل صدقي 6193 م) والرصافي (معروف عبدالغني 5419 م)، والشبيبي (محمدرضا 5619 م) وغيرهم.

ثمّ جاءت أجيال إقتفت أَثرهم وشاء القدر أن يعاصر الجواهري (محمّد مهدي 1977 م) كلّ هذه الأجيال ويطغي عليها في شعروطني وقومّي، وانسانيّ مُجّسَّد المعالم.

هؤلاء جميعا انتظم شعرهم المجتمع لأوطانهم، والأمّة، والحضارة الجديدة من مخترعات كالقطار والسيّارة والساعة والطيّارة والكهرباء ونظريّة دارون في أصل الأنواع، وقضيّة الشكّ واليقين عند ديكارت، علاوة علي المعركة، في السفور والحجاب، وتجديد الشعر والخلاصة من ذلك أنّهم أرادو للشعر مفهوما، ووظيفة، ومتعة، تخدم الفرد والمجمتع والأمة، وتعينها علي خروجها من(20) محنتها وتخلّفها، فالشعر في مفهوم الزهاوي (جميل صدقي 6193 م) يجب أن ينبعث من مشاعر قائله نزيها غير مقيّد، ينبعُ من مشاعرٍ صادقةٍ جريئة مدافعةٍ عن الحّقِ قال:

إنّما الشّعُر من القا
ئل لِلشّعر شُعُورْ
وبه مُعتكفٌ في
بَيتهِ وَهْوَ يَدوُرْ(21) (رمل)
والشعر له وظيفة مضافة إلي وظيفة التعبير عن المشاعر وهي (السَّلْوي) يلجأ إليها الشاعر ويلوذ بها لتحميه ممّا يري من مآسي المجمتع قال: (رمل)

أيّها الشعرُ سُلُويّ
أنت في ساعَةِ هَمِيّ
أدرءالأحزانَ عنّي
بأَبِي أنتَ وأُمِيّ(22)
وهو إبداع لأنّ عهد التقليد وَلّي، ولم يعدله مكانٌ في منازلِ الشّعرِ، حيث أنشد قائلاً (مُجتث):

الشِعرُ فيه هبُوطٌ
والشعر فيه طِلاعُ
ومنهُ تقليدُ مَنْ قَد
مَضي ومِنهُ (إقتراعُ)(23)
والشعر له مستويان، وخيرهمان ما كان دفاعا عن الحقّ قال (مجتثّ):

الشِعر ليسَ سواءً
مِنه سَمينٌ وغَثّْ
وأحْسَنُ الشعر ماكان
فيه للِحَقّ بَثّْ(24)
و الشعرُ في مفهوم الرّصافي (معروف عبدالغني 5419 م) وظيفته خدمة الوطن و الأمّة والإنسانيّة، إذيجب علي الشاعر أن يطرح واقع المجتمع، ويدافع عن الأمّة ويتصدّي للظلم وحكم الإستبداد،والإستعمار في تسبحٍ مبدع جديد، مروّحا عن هموم قائله:

عَلي أنّ لي طبعا لَبيِقا بِوَشْيِهِ
نزوعا إلي أَبكاره دوُن عيُونِهِ
لَعَمرُك إنّ الشعرَ صُمْصامُ حِكَمةٍ
وإنّ النُهي مَعْدودةٌ من قُيونِهِ(25)
والشعر في رأي الشبيبي (محمدرضا 5619 م) له أهداف، ومُثُلٌ، ومعان أشار إليها في قصائد كثيرة منها:(لامية العرب الجديدة) و(الهزار الشاعر) و (ذكري شاعر)و(الإجتماع والشعراء)

والشعر عنده له غاية تفصل بين الحّق والباطل، وتقصد إلي الصدق، وتنسكب في معاني ألفاظه روح الإبتكار والخلود، وتسيل بين نسيج أبياته مُتعةُ السِّحْرِ أمّا الجواهري؟ فهو لسان الشعب، والأمّة والإنسانيّة قال: (الكامل)

وأنا لسان الشَعب كلُّ بليّة
تأتيه أحمِلُ ثِقلها وأُصَوِّرُ
وإذا تقطّر من فُؤادي جانِبٌ
حَدُبَت عَلَّي قلوبه تتقطّرُ(26)
ثمّ نبعت مدرسة جديدة من المدرسة السابقة وانسلخت عنها، وأخذت علي عاتقها سنة 7419 م بعد الحرب العالميّة الثانية التغيير في الأشكال مع التطوير في المضامين إبتداءً في شعر بدر شاكر السيّاب ثمّ نازك الملائكة وآخرين فكان الشعر الحديث (المسمّي بالشعر الحرّ) مرحلة جديدة، ومدرسة سرعان ماانتشرت في جميع الأقطار العربيّة باعثة شعلة النهوض في الفكر العربي المعاصر حاملة أشكالها ومضامينها هذا المفهوم العام لرسالة المواطن انطلق منه مضمون الشعر الحديث، وقامت الدعوة فيه علي أساس من تسخير الشعر لخدمة الأغراض الإجتماعيّة والسياسية، والحضارية، وشجب دعوة الفن للفن، لأنّه ارتبط بالواقع، وجَنَّدَنفسه لهذا الواقع وخدمته وتطويره وطرح النقاد في ظلّه شعار الأدب الهادف، لتحديد مضمون هذا الشعر الجديد، فلم يعد الشاعر في حركة هذا الشعر يعيش بعيدا عن الشعب والأمّة بل اندفع بكلّ قواه يشارك في المعركة المصيّرية، ويلهب أَتّونهابشعره المنبعث من تجربة حيّة، تمرّس الشاعر معها بأوضاع الكفاح، وحَمَلَ منها شَرَرَ القضيّة التي يؤمن بها.

إذن يتميّزهذا الشعر الجديد بعودة الشاعر إلي الإرتباط بالحياة الإجتماعيّة والإقتصاديّة والسياسيّة.

وقد أضاف، سبيلاً جديدة إلي ما كان مألوفا للتعبير عن هذه الرسالة الوطنيّة أو القوميّة، وهذا السبيل هو الغزل والحب الممزوج بالحرمان فهذا بدرشاكرالسياب في أَغلب قصائده مثل (مطر... مطر) و(الأسلحة والأطفال) و غيرهما، يمزج هذا الحب والغزل بالقضايا الأساسية في رومانسية حالمة، فيلوّن صوره وينوعها ويبرزها في طرحٍ يصوّرفيه المجتمع العراقي، والظلم، و رفض أشكال الإستعمار.

2- مدرسة المهجر (ومفهوم الأدب):(27)
...القّت مدرسة المهجر في حركة التجديد مع مدرسة الديوان، ثم تخطّتها أشواطا في تجديد الشعر، وتحريره من الجمهود، وتطوير مضمونه، والخروج به عمّا عرف قديما من موضوعات.
وأضحي أثرها في توجيه الشعر قويّا وفاصلاً وكانت النماذج التي نسجها الشعر المهجري للوجدان قوّية التأثير في بعث روح الشعر بعد جموده حيثَ وجَّهت أفكارها إلي جوهره النَّقي، وشَقّت للشعر سبلاً لم يَعْهَدْها من قبل، علي أَنّها أخذت من التُّراث بحذر.

ومدرسة الديوان مقارنةً بمدرسة المهجر، محافظة، لأنّها أكثر إرتباطا بالتّراث، ولم تقطع الصّلة به، بل اعتمدت في معركتها مع التقليديين علي اطّلاع واسع من الشعر القديم، وتفاعل قوي مع الثقافة العربيّة بصفة عامّة ومع الثقافة الغربيّة بصفة خاصّة، في حين كانت مدرسة المهجر تعتمد أساسا علي الإلقاح الغربي، متعاملة في تفاعلها مع التراث العربي بقلّة وحذر. التجديد في الشعر المهجري تناول (الصياغة) و(المضمون) فسعي في (الصياغة) إلي التحرّر من الأشكال القديمة، وقصد البساطة في التعبير وتجنّب الزخرفة اللفظيّة، وجعل القيمة الإنسانية في الشعرأَعلي من القيمة اللسانية، وتخلّص من القوالب القديمة، وهدف إلي الأوزان الخفيفة، مع ميل إلي التنويع في الأوزان كما استغلّ أَساليب الموشّحات الأندلسيّة، وأَعطي اللفظة كلّ ما تحتاج إليه من الشاعرية في المعاني، والإشعاع الروحي مع لذّة السحر، وحلاوة الموسيقي، وعذوبة النطق، وجمال التصوير، وعبق التعبير، حيث جعل اللفظة حالمة ندية مفعمة بالجمال والأسي والحسرات.

أمّا المضامين؟ فقد كانت ثورة عارمة علي الأغراض التقليديّة القديمة داعية إلي استيماء النفس الإنسانيّة، متنعّمة علي الحياة منتظمة مايدور فيها من مشاكل الإنسان الإجتماعية والسياسية والإقتصاديّة.

اتسم شعرالمهجر، بومضات الغربة الرومانسية، والذاتية الفردية لأنّ الشاعر في الشعر المهجري حبيسٌ لوجدانه وذاته حتّي في حال اتصّاله بالشعور البشري العام.

فالشاعر هنا بصير بالأعماق الوجدانية مع تعدد نظراته للحياة،(28) وقد اختلفت هذه النظرة بإختلاف الشعراء إلّا أنّها كانت مشتركة في الذاتية الفردية عند الجميع.

إذن يتميّز أدب المهجر بالتجديد الطامح إلي الكمال، بخصائص قوية في أشكاله ومضامينه، تحرّر من سيطرة القديم في الأشكال بعد أن استوفي مالابدّمنه للصياغة الحديثة ونزعة التجديد والإنتقال من الإتباع إلي الإبداع والإعتداد بالشخصيّة الأدبيّة، لاجمود في القوالب الجاهزة، ولا ميوعة في المنابع المستحدثة نثرا أو شعرا.

قد انعتق النثر من المدلولات الثابتة، والرواسب القديمة، وانطلق الشعر بأصوات كثيرة متنوّعة، وأوزان قصيرة كما أسلفنا وموشّحات تتباري بالفن مع ما خَلَّفَتْهُ الأندلسُ.

3- مدرسة الديوان:(29)
كان نقد هذه المدرسة ينصب معظمه علي فنّ الشعر، لعراقته من جهة، ولعدم بروز الفنون الأخري من جهة ثانية، ونقدها أَغلبه نظري، وأقلّه تطبيقي و أعضاؤها كلّ منهم متأثّر بنظريّة غربيّة اتّخذها مَثَلاً له وأشهر مؤسّيسها: احمد شوقي (1932 م) والمازني (ابراهيم عبدالقادر9419 م) وعبدالرحمن شكري (1958 م)، والعقّاد (عبّاس محمود 6419 م) وغيرهم كثيرون وأهمّ مقاييسها:
1- الصدق: وهو التوافق بين شخصيّة الشاعر وشعره، ويقصدبه الصدق الفنّي الذّي يتضمّن صدق الشعور الذّي يعبّر عنه الشاعر ويصدر هذاالشعور منه عن مزاج أصيل لا تكلّف فيه وقد أوجب العّقاد علي الأديب التزام الحقيقة النفسية وليست الحقيقة المتجرّدة كما وضع كلّ من العقّاد والمزاني مقياسا لشعرالطبع يتلخّص في (صدقه وتأثيره) فإذا كان صادقا مؤثّرا، فهو مطبوع لا تكلّف فيه.

2- قوّة التعبير عن وجدان الأديب، فشعرالشخصيّة (الذاتية) الذّي أنتجه العقّاد والمازني هو من جوهر نظريتيمها القائل: (إنّ شعرالشخصيّة: تعبير عن وجدان الشاعر) وهو لفي قمّة الذاتية حيث يعبّرعن (أغوار) الوجدان للإنسان العربي، وتكون به (حياة الشاعر وفنه) متطابقين، (أي شيئا واحدا) لاينفصل أحدهما عن الآخر، بمعني لا ينفصل فيه الإنسان الحيّ عن الإنسان الناسج للنصّ.

3- الإعتراف بالتذوق الخاص (الشخصي): أعترف أَعضاء مدرسة الديوان بالذوق وسيلة أساسيّة في النقد، ولكنّهم اختلفوا في تفسير هذا الذوق، فعبد الرحمن شكري مثلاً لايُسَلّمُ للذّوق الخاص وحده بل يري أنَّ هناك ذوقا عاما يضاف للذوق الخاص يمكن أن يلتزم الجميع حدوده، فيقول عن الذّوق:

«اجتمع أعظم المصوّرين فصنع كلٌّ صورةً أَملاها عليه ذوقه، وزعم أَنّها بلغت غاية الجمال، إذا رأيتها، وَجَدْت إختلافا عظيما يَنَبِّي ءُ عن مثلِهِ في أذواق هؤلاء المصوّرين، ورُبّما كان بين الرسوم ما يستمجه بعضهم علي أنّك لَو قُلتَ لهم ما يَسْتَحلّوُنَ من معاني الجمال، عَجبْتَ لإختلافهم فيما يعرضون عليك»(30)

أمّا العقاد والمازني، فمع إعرافهما بالذوق العام يميلان دائما إلي الذوق الخاصّ، ويعطيان له الأولوّية في مسائل النقد والنتاج الأدبي.

إنّ جماعة الديوان، النّقاد منهم يُقَوِّمونَ الجانب الفّني في العمل الأدبيّ من خلال انطباعاتهم الشخصيّة فهم في الحقيقة نُقّاد تأثريون.

4- الحرص علي التقويم: حرص أعضاء جماعة الديوان في نقدهم للنصوص الأدبيّة علي التقويم والتوجيه أكثر من حرصهم علي التفسير والتحليل وقديكون هذا الإتّجاه ممّا يتماشي مع طبيعة النقد الأدبي في تراثنا الأدبي.

إنّ الظروف التّي تولّي فيها أعضاء جماعة الديوان مهمّة النقد الأدبي، ساعدت دونما شكّ علي دفعهم نحو هذا الإتّجاه فهم في الواقع لم يكونوا نُقّادا فحسب وإنّما كانوا يخوضون معارك التجديد، وهم يثورون علي الكلاسيكيّة القديمة في النقد العربي القديم.

كما أنّ هؤلاء النقاد، قيّموا الأدب من خلال النظريّات الغربيّة التّي تأثّروابها، ونظروا إلي الأعمال الفنيّة كلّها من خلال مواقف فكريّة عامّة واحدة علي الرغم من خلافاتهم الفكريّة الأدبيّة فيما بينهم.

علاوة علي أنهم كما أسلفنا من قبل يهتمون بالتقويم ويهملون أحيانا التحليل والربط للنماذج بعضها مع بعض، ويحتفلون بإطلاق الأحكام العامّة، و الأحكام التّي تعكس أذوافهم الشخصيّة.

5- الإهتمام بالمضمون: إنّ الإهتمام بالنقد عندأعضاء جماعة الديوان يقوم أساسا علي العناية بالمضمون والإهتمام به أكثر من الشكل وهذا الذي دفعهم الي القول بأنّ كلّ كلامٍ لم يكن مصدره صحّة الادراك، وصدق النظر في استشفاف العلاقات، يكون هُراءً ولا محلّ له في الأدب إذن تغيرالحياة الفكريّة، والإطلّاع علي الأدب الغربي وفلسفته، وعوامل أخري كثيرة؛ دفع أعضاء جماعة الديوان إلي الإهتمام بالمضامين أكثر من الأشكال، فقد شُغِلت أذهانهم بالثقافة العلميّة والفلسفية، من أجل ذلك نزعوا إلي مزج العلم بالفلسفة مع الكثيرمن المناذج الأدبيّة.

6- النقد العلمي الفلسفي: كان العقّادُ أسبقَ من المازني وعبدالرحمن شكري إلي النقد العلمي الفلسفي فهو يري أَنَّ الشكري والمازني، (غَيَّرا) منهجيها في القراءة حيث إلتفتا إلي النقد العلمّي والفلسفي بعد أنَ كانت القراءة عندهما شاخصةً إلي النقد الأدبّي المحض علي أسلوب الغربيين من مثل (ماكولي) و(ماكس نوردو)و(المبروزو) و(السنج) و( نيشته)وغيرهم.

وقد كان أدباء الديوان هؤلاء يعتزون بأصولهم، وتراثهم التاريخي، فهذا خليل مطران يصف قلعة بعلبكَّ ويفخربها متذكّرا أيّام صباه في مدينته الّتي عاش فيها أيّام الصّبا بأحلامه وآماله وطموحه فيقول: (خفيف)

همّ فجر الحياة بالإدبار
فإذامَرَّ فهي في الآثار
والصّبا كالكري نعيمٌ ولكن
ينقضي والفتي به غيرُ دارٍ(31)
4- مدرسة أبولو:(32)
كان مؤسّس هذه المدرسة الشاعر المصري الدكتور أَحمدزكي أَبوشادي (1892 م 1955 م) وهي إمتداد لمدرسة الديوان، فقد تأثّرت بها، وانبعثت من خلال الصراع العنيف الذي داربين شعراء التقليد وشعراء هذه المدرسة ونقّادها، كانت مدرسة الديوان من قبل تهتم بصياغة النظريات التجديدّية أكثر من أهتمامها بصياغة النّص الشعري، وحينما جاءت مدرسة أبوللو عكست الأمر فاهتمت بصياغة النصّ الشعري أكثر من إهتمامها يصياغة النظريّات.(33)

مدرسة أبوللّو تيار نشأمنذوفاة سعدزغلول (1927 م) أو قبيل ذلك، وقد تميّز هذا التيار بشيئين مهمين: هما الوجدان الذاتي، والتعبير الرمزي.

بدأت هذه المدرسة ترسل شعرها غناء ذاتيا متفجّرا عن عواطف جياشة، ووجدان منفصل حزين وقد تطوّرت هذه المدرسة عندما صدر العدد الأوّل من مجلّة أَبوللّوفي (سبتمبر) سنة 1932 م حيث أُعلنت جميّعة تتألّف مَن أحمد شوقي (1932 م)رئيسا وخليل مطران وأحمد مُحَرَّم نائبين للرّئيس، والدكتور أحمد زكي أبوشادي (1955 م) سكرتيرا، وأعضاؤها: الدكتور إبراهيم ناجي (1935 م)، والدكتور علي العناني، وأحمد الشايب، وسيدابراهيم وعلي محمود طه (9419 م) ومحمود أبوالوفا، وحسن القاياني و حسن كامل الصيرفي(34) ثمّ جُدّد الإنتخاب سنة 1933 م، فأصبح خليل مطران رئيسا، وابراهيم ناجي وأحمد محرّم نابئين، للرّئيس، وأحمد زكي سكرتيرا، والبقيّة من الأدباء أعضاء ثمّ ضمّت هذه المدرسة الكثيرين من الشباب فيما بعد.

إنّ التجديد في نظر هؤلاء الشبّان في البداية، لم يكن معنيً كامنا في نفوسهم قاصدين إليه قصدا، بل كان خواطرومضات فنيّة، وفورات يعبرون عنها من خلال نتاجهم الشعري المتنوّع النزعات ومن خلال نظراتهم النقديّة فهم يدعون إلي الوحدة العضويّة للقصيدة؛ ويؤكّدون علي التحرّر البياني و الطلاقة الفنيّة ويستحثون الشخصيّة الأدبيّة علي الإبداع والإبتكار، وينهونها عن اجترار الماضي، ويريدون منها الإبتعاد عن الأغراض التقليدية، و الوفا وللعصر الذّي تعيش فيه بأن تعكس الحياة والطبيعة.

كانت الفكرة في نتاج هؤلاء الشعراء منسجمةً مع الخيال والشعور (العاطفة) حيث مزج أفراد هذه المدرسة بين الوجدان والعقل، فخرجت تجارُبُهُمْ مشرقةً متّسمة بطبع دقيق تتوهج فيه الرؤيا الشعريّة والإنفعال الحارّ، فانطلقت مضامينهم، واتّسعت للشعر الوجداني، وشعر الطبيعة الّتي إمتزج بها بصورته الصوفية الفلسفيّة، عن طريق الإيحاء الرمزي.

حاولت قوالب هذه المدرسة الإنفلات من أسراالتقليد والجمود، فنتوعت في القوا في والبحور، أحيانا، وتحررت من القوا في أحيانا أخري.

وجدّدت في الأشكال حيث ظهر في نتاجها أنواع من القصص والمسرحيّات الشعريّة إلي جانب الفيض الشعري وهي لم تكن مدفوعة بفطرتها إلي التجديد بل بادراكها الحاجة إلي التجديد بعد تناولها النتاج الشعريالسابق بالدرس والتحليل الناقد.

وكان أبوالقاسم الشابي يري:«أنّ المدرسة الجديدة تدعو إلي أن يحدّد الشاعر ماشاء من أسلوبه وطريقته في التفكير، والعاطفة، والخيال، وإلي أن يستلهم ما يشاء من كلّ هذا التراث المعنوي الّذي يشمل ما ادّخرته الإنسانيّة من فَنّ، وفلسفة ورأي، ودين، لافرق في ذلك بين ما كان منه عربيّا أو أجنبيا، وبالجملة، فانّها تدعوإلي حرّية الفّن من كلّ قيديمنعه الحركة والحياة».

ويمكن أن نلخّص عمليّة التجديد عند أصحاب هذه المدرسة في ثلاث نقاطٍ هي:

1- التجديد في البناء الفنّي

2- التجديد في البناء الدّاخلي.

3- الغاية الشعريّة (هدف الشعر)(35)

أوّلاً التجديد في البناء الفنّي الخارجيّ:
ويشمل أنواعاكثيرة منها:
1- التجديد في الألفاظ: فقد ابتكر شعراء أبوللّوفي الألفاظ، وَحَمَّلُوها دلالات تختلف عن دلالاتها القديمة، وقد أعانهم علي ذلك استخدام التعبير الرمزي لمثل هذه الألفاظ في كثيرمن المواقف فقد رأينا ألفاظ أصحاب هذه المدرسة شيقة في قصائدهم السحرية، مليئة بالأطياف والظلال، والسكون الشمسي، والعطر المفضض، والشفق السحري، والليل الأبيض، والنور الهادئ والخواطر المذعورة وكان أبوشادي من أوائل الذين أدخلوا هذه الألفاظ في شعرنا الحديث، وله قصائد كثيرة تحمل ألفاظ من مثل (بلوتو) و(برسفون) و(إيليا وصموئيل) و(ديوس) و(پودوبا).(36)

2- التجديد في العروض، ويمكن أن نلخصه في:

أ: ألشعر الحرّ (الحديث): وهو مالم يتقيّد بقافية، ولا بتوازن بين الشطرين

ب: الشعر المرسل: وهوما يلتزم فيه البحر الواحد مع تحرر من القافية

ج: الشعر المنثور: وهو ما لا يتقيّد بوزن ولا قافية

د: الشعر القصصي: وهو قصص تعتمد علي نقش شاعريّة، تتجاوب إيقاعاتها مع أعماق الإنسانية الداخليّة....

نستطيع أن نجمل التجديد الذي نادي به شعراء(أبوللّو) بمايأتي:

أ: ألألفاظ

ب: الشعر الحرّ

ج: الشعر المرسل

د: الشعر المنثور

ه: الشعر المترجم والمطولّات التأملّية

و: الشعر القصصي

ز: الشعر التمثيلي

ح: الشعر العلمي

غير أن هذه المحاولات التجديديّة في شعر أصحاب هذه المدرسة لم تكن بمستويً واحدٍ كما هي الحال عندمعاصريهم من شعراء القصيدة العموديّة.(37)

ه مقاييس النقد الأدبي
إذا كان النقد ضرورة من ضروريات الحياة لانستغني عنها مادامت تتطلّب التقدم ومحاولة البراءة من النقص والتخلّف فمن الطبيعي أن يتناول النقد جميع مقوّماتها العلميّة والفنيّة والإجتماعيّة والسياسيّة لعلّه يصلح ما فسد، ويعين علي الترّقي، ويهدي الباحثين والعاملين إلي أهدي السبل و أسمي الغايات لهذا اختلف النقد أو تعدّد بتعدّد نواحي الحياة فمنه

1- النقد السياسي الذّي يتّخذمقاييسه من أصول الحكم، والقوانين الدولية، والبراعة التّي تفيد الدّولة وتدعم سلطاتها داخليّا وبين الدّول جميعا.

2- ومنه النقد الإجتماعي الّذي يعتمد في كيانه علي تقاليد الأمّة، ومايسيرعليها حياتها،ويحمي أفرادها وأسرها وأخلاقها من الفساد والتدهور، وعلي جميع ما يرضي الكافّة، ويجعل الأفراد مهذّبين صالحين لمسايرة التقدّم والنّجاح

3- وهناك النقد العلمي المتّصل بالطبيعة والكيمياء والريّاضيّات ونحوها،(38)وهو خاضع لهذه المناهج النظريّة والتطبيقية (التّكنولوجيّة) التّي وضعت لكلّ علم، وإن كانت كلّها مشتركة في صحّة المقدّمات وسلامة التجارب ودقّة الإستنباط والتجرّد من الأشياء الذاتيّة، إذ كانت المسائل العلّمية ظاهرة عقليّة موضوعيّة تتناول الحياة، كما هي في الواقع دون أن يكون الذّوق أو المزاج فيها نصيبٌ.

4- وهناك النقد الفنّي، وهو كذلك خاضع لأصول عامّة تصلح للفنون الرفيعة كلّها من رسم وتصوير وادب وموسيقي ونحت من ذلك صدق التعبير، وقوّة التأثير وجمال الخيال ومراعاة التناسب، ومع ذلك فلكلّ فن منها مقاييسه النقديّة الخاصّة تبعا لطبيعته، و وسيلته في الأداء، وهي متأثرة حتما بالذاتية اي بهذا الذّوق الفنّي لكلّ ناقدولسنانريد هنا التوّرط في اصول النقد العلميّ ولا الفنيّ العام وإنّما أشرنا لنفرغ منها إلي النقد الأدبي خاصّة إذ كان نوعا من أنواع النقد يكون فنيّا أو مزيجا من العلم والفنّ كما يمرّتحقيق القول في ذلك.

الثاني: والنقد الأدبي خاصّ بالأدب، وإذا كنّا نفهمه بالمعني العام أي تفسير الأدب وايضاحه فنستطيع أن نعدّ من أنواعه مايلي:

اوّلاً: النقد التاريخي الذّي يشرح الصّلة بين الأدب والتاريخ فيتّخذ من حوادث التاريخ السياسي والإجتماعي وسيلة تفسير الأديب وتعليل ظواهره وخواصّه.

ثانيا: النقد الشخصي وهو الذّي يتّخذمن حياة الأدب وسيرته وسيلة لفهم آثاره وفنونه وخواصّه الغالبة عليه فإن الأدب صادر عنه مباشرة ليسهل بذلك شرحه وتعليل أوصافه.

ثالثا: النقد الفنّي وقد قلنا من قبل انّه أخّص الأنواع وأولاها بمن يريد فهم طبيعيّة الأدب وبيان عناصره، وأسباب جماله وقوته ورسم السبيل الصالحة للقراءة والإنشاء، وهو عندي أحقّ الأسماء بهذه التسمية، فهو النقد حقّا وماسواه من الطريقة التاريخيّة أو الشخصيّة تفسير، وإن كان بلاشكّ يعين عَلي صحّة النقد الفني وعلي سلامة أحكامه من الغموض والضلال وهو المنهج النقديّ

3- وإذا استتقصينا مظاهر النقد الأدبي في تاريخ الأدب العربي والفارسي وجدناها كثيرة منوّعة فنقد لفظي، واخر معنوي، وثالث موضوعي، ومن اللّفظي ما هو لغوي أو نحويّ أو عروضي أو بلاغي، ومن المعنوي ما يتصّل بابتكار المعاني أو تعميقها أو توليدها أو أخذها ثمّ ما يتصّل بالأخيلة وطرق تأليفها لتصوير العاطفة، ثمّ العاطفة الصّادقة والمصطنعة ومن الموضوعي ما يليق بكلّ مقام من المقال أو الفنّ الأدبيّ الخاص حتيّ غلواو حاولوا أن يقصروا الشعر علي فنون دون النثر و يمكنك الرجوع إلي ذلك كلّه في الموشّح للمرزباني، والصناعتين للعسكري والبيان والتبيين للجاحظ، والموازنة للآمدي، والوساطة للجرجاني، ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني وحدائق السّحر للرشيد الوطواط ولن تتّسع هذه الصفحات لايراد الأمثله لذلك فارجع إليها في مظانها المذكورة.

وفي عصرنا الحديث نشهد درجتين للنّقد الأدبي أو نوعين من أنواعه:

إحداهما الدّرجة السريعة وتتناول الآثار الأدبيّة، أو الفنيّة، التّي تقدم كلّ يوم إلي الصحف والمجلّات، وتعدّهذه الدّرجة نوعا من الإعلان أو الوصف يعتمد علي ملاحظات سريعة تعين القاري علي معرفة ما يصلح له من الكتب التيّ تصدرها المطبعة تباعا، ومع ذلك فيجب ألا يخلوهذا النقد من الجدّ وصحّة الحكم والإنصاف وترك المجاملة لئلّايضلّ القراء ويذهب بمكانة الصحفيّ الأديب والثّانية أسمي من الأولي وأبقي إذ كانت عاملاً من عوامل الرّقي ونشر الثقافة العامّة بين القرّاء، وتظهر في المجلّات المحترمة أو الكتب و تعمد علي الدّراسة العميقة(39)والثقافة العريضة، والتفكير الواضح السديد، والموازنة الشاملة وهي تنتهي في الغالب بعرض خلاصة كافية للآثار المنقودة أو بإكمال ما ينقصها، أو يفتح آفاق جديدة للبحث متصلة بموضوع الكتاب ويمكن هنا إجمال الأخطاء الّتي تندرج فيها هذه الطريقة حتيّ تصل غايتها إلي أن نفصلّها في حينها إن شاءاللّه.

فعلي الناقد أوّلاً: ألا يهمل هذه الجزئيّات اللغوية والنحويّة التي تعين علي فهم عقل الأديب وتاريخ أفكاره أثناء كتابه أو مقاله أو قصيدته أو قصّته وماانتهت إليه من نتائج وآراء و مذاهب وذلك يقتضيه أولاً تفهم المعاني الحقيقة التيّ تدلّ عليها عبارات بعناصرها الأصلية التيّ تسمي عمدة كالمتبد إوالخبر والفعل والفاعل أو بعناصرها الثانوية التي تسميّ فضلة كالحال والفاعيل وبعض المتعلّقات.

وثانيا: فهم المعاني المجازية أو التضمنيّة والإلتزامية التي تؤديّها العبارة بطريق الإستعارة والكناية أو تشيرإليها إذا كانت موجزة تكتفي بالإشارة والتلميح.

وثالثا: قيمة كلّ جملة في ايضاح المعاني، إذا كان بعض الجمل أساسيا يدلّ علي أصل المعني والبعض إيضاح أو تكرار وهذه الأخطاء علي جفائها تعدّ اساسا لازما للدّرجة السامية من درجات النقد الأدبيعلي أنّ الناقد مادام يصل بين هذه الملاحظات النحوية وبين المعاني والأفكار يشعربخفّة بحثه ومتعته. فإذا انتهي من ذلك واجه عمله الحقيقي الخطير الذّي يتجلّي في تعرّف الأثرالمنقود: كيف ظفر بخواصّه اللفظّية والمعنوية، وعلي أيّ شي ء يدلّ ممّاله صلة بعقل كاتبه وعواطفه وأخيلته ومزاجه ومواهبه وبيئته ومعارفه، فإذا بنا نحيامع الأديب ونري بعينه ونسمع بأذنه، ونخضع أنفسالميوله ونظريّاته وروحه، وننتقل من فهمه إلي فهم عصره وبيئته كلها، ثمّ نحسن الحكم والتقدير.(40)

فهرس المصادر والمآخذ
1- الأدب العربي الحديث (خفاجي) الجزء الثاني (مدرسة أبوللّو)

2- أصول النقد الأدبي تأليف أحمد الشائب الأستاذ بجامعة القاهرة مكتبة النهضة العربيّة سنة 1999 م

3- تاريخ النقد الأدبي عندالعرب الدكتور احسان عبّاس، دارالثقافة بيروت، لبنان، الطبعة الرابعة 1241 ه 1992 م.

4- الجامع في تاريخ الأدب العربي، الأدب الحديث، تأليف حنّا الفاخوري دارالجيل، بيروت، لبنان، الطبعة الأولي 8619 م.

5- حافظ إبراهيم الدكتور عبدالحميد سندالجندي دارالمعارف ط - 2 - القاهرة 8619 م

6- في النقد الأدبي الدكتور شوقي ضيف دار المعارف بمصر الطبعة الثالثة سنة 2619 م

7- ديوان الخليل مطبعة دارالهلال مصر 9419 م.

8- ديوان الرصافي (معروف عبدالغني 6413 ه/ 5419 م) مطبعة الإستقامة، ط 6، القاهرة 1379ه

9- الشعروالشعراء في العراق أحمد أبوسعد دارالمعارف لبنان 1959 م

10- شوقي وقضايا العصر والحضارة الدكتور حلمي علي مرزوق دارالنهضة العربيّة بيروت 1981 م

11- المجموعة الشعرية الكاملة شاعر العرب الأكبر محمدمهدي الجواهري المجلد الأوّل والثاني دارالطليعة ط 1 بيروت 8619 و 9619 م.

12- محاولات في النقد والدراسات الأدبيّة الدكتور احسان عبّاس المجلّد الثالث دارالغرب الإسلامي 2000 م. بيروت، لبنان.

13- النقد الأدبي الحديث، تأليف الدكتور محمّد غنيمي هلال درالثقافة بيروت، لبنان، 1973م

41- النقد الأدبي الحديث تأليف الدكتور علي جابر المنصوري الأستاذ بجامعة بغداد دار عمّار، عمّان 1999 م

15- النقد الأدبي لأحمدامين القاهره 1952م

61- النقد الأدبي المعاصر، قضاياه واتّجاهاته - الدكتور سمير سعدحجازي دارالآفاق العربيّة، القاهرة 2141 ه 2001 م.

17- النقد المنهجي عندالعرب ومنهج البحث في الأدب واللّغة مترجم عن الأستاذين لانسمون وماييه الدكتور محمّد مندور، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، تاريخ النشر إبريل 6619 م.

18- البيان والتبين، الجاحظ، تحقيق وشرح عبدالسلام محمدهارون دارالجيل بيروت 1041 ه، 1990 م

الهوامش
1. أصول النقد الأدبي تأليف احمد الشايب، مكتبة النهضة المصريّة سنة 1999 ص 411 118 والنقد الأدبي لأحمد امين ص 1-3

2. النقد الأدبي المعاصر، قضاياه واتجاهاته الدكتور سمير سعد حجازي 2141 ه 2001 م ص

19-41

3. أصول النقد الأدبي 115-611

4. راجع أصول النقد الأدبي تأليف Winchcster، ص 1 و أصول البلاغة الأستاذ Genung

ص 591 والفصل الثاني من "فنون الأدب" لنشارلئن تعريب زكي نجيب محمود.

5. لاسل ايركرومني: قواعد النقد الأدبي، ترجمة محمد عوض ص 153 وأصول النقد الأدبي

ص 117

6. ايضا نفس المصدر ص 118، والنقد الأدبي المعاصر ص 15-61

7. النقد الأدبي الحديث تأليف الدكتور محمّد غنيمي هِلال دارالثقافة بيروت 1973 ص

11-62

8. أيضا نفس المصدر ص 12

9. النقد الأدبي الحديث ص 155-615

10. الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق وشرح عبدالسلام محمد هارون، ج1، ص 203

11. الجامع في تاريخ الأدب العربي، تأليف حنّا الفاخوري دارالجيل بيروت الطبعة الأولي

6198 م ص 63-04

12. في النقد الأدبي، بقلم الدكتور شوقي ضيف الطبعة الثالثة دارالمعارف بمصر ص

619-197

13. النقد الأدبي المعاصر الدكتور سمير سعد حجازي دارالآفاق العربيّة 2141 ه 2001 م ص

25

14. أنظر، حافظ إبراهيم (شاعرالنيل) الدكتور عبدالحميد الجندي دارالمعارف ط 2 مصر

8619 م (الوطنيات) 152-417 و (بين حافظ وشوقي) 193-218

15. شوقي أو صداقة اربعين عاما/100 والنقد الأدبي الحديث تأليف الدكتور علي جابر

المنصوري ص 74-51

16. نشأت في أمريكا الشمالية، والجنوبية، وكانت نتيجة طبيعية لهجرة هؤلاء الأدباء من جراء

الظروف الإقتصادية والسياسية في لبنان آنذاك

17. ايضا المصد رالسابق ص 50

18. الشعر والشعراء في العراق (1900 م 1958 م) أحمد أبوسعد دارالمعارف لبنان 1959 م

19. النقد الأدبّي الحديث / 52

20. ديوان الزهاوي / 229 نقلاً من النقد الأدبّي الحديث ص 52

21. المصدر نفسه/ 230. 22. المصدر نفسه / 23. 23. المصدر نفسه / 233 24. ديوان الرصافي، مطبعة الإستقامة،ط 6، القاهرة1379 ه نقلاً عن النقد الأدبي الحديث ص 53 25. المجموعة الشعريّة الكاملة: محمّد مهدي الجواهري، مطبعة دارالطليعة ط - بيروت 8619 م / 2 / 7-2 26. رفيق شاعرالوطن خليفة عمر التليسي ط 3 - مالطا 6197 م (الشعر الحديث) والقوافي، ص 25 - 30، والنقد الأدبي الحديث ص 58 16

27. القديم والجديد في الشعرالعربي الحديث الدكتور واصف أبوالشباب درالنهضة بيروت

841 ه / 1988 م الفصل الرابع (جماعة المهجر) 341-172

28. ديوان: صيغة فيعال من التدوين ومعناها: إنّ هؤلاء الشعراء دوّنوا شعرهم و كتاباتهم في كتاب

واحد سُمّي (الديوان). ثمّ انتقل هذا الإسم،إلي اتّجاه هؤلاء الشعراء في الشعر، ولمّا كان هذا الإتجاه بشكل مدرسة، سمّيت (مدرسة الديوان) ضَحّت كثيرا من الشعراء في مقدّمتهم عبدالرحمن شكري (1958 م) و عبّاس العّقاد (6419 م) والديوان أساسا كتاب ألّفه العّقاد (محمود عبّاس 6419 م)، والمازني (إبراهيم عبدالقادر 9419 م) و أو دفاعيه بعضا من شعر هما، وبعضا مما كتباه من مقالات نقدّيه. راجع الديوان عبّاسي محمودالعقّاد والمازكني، مطابع الشعب الطبعة الثاثقة القاهرة بلاتاريخ.

29. شوقي و قضايا العصر والحضارة الدكتور حلمي علي مرزوق درالنهضة العربيّة بيروت

1981 م / 361 ومابعدها

30. ديوان الخليل خليل مطران مطبعة درالهلال مصر 9419 م، / 97-100

31. أبوللّو: أساسا أحدآلهة اليونان، وكان لأحدقساوسته ابنة أسمها (كريزس CRYSIS) إختطفها القائد اليوناني (أجاممنون)، قغضب أبوللو ونشر الطاعون في الجيش اليوناني أثناء حرب طروادة في الإلياذة ثمّ سمّي هؤلاء الأدباء أوّل مجلّة لهم أصدروها بهذا لإسم ثمّ انتقل هذا الإسم ليصبح مصطلحا لمدرسة أدبيّة إحتوت نتاج مَن انتمي إليها فيما بعد مِن الأدباء.

32. ألقديم والجديد في الشعر العربي الحديث الدكتور واصف أبوالشباب (جماعة أبوللّو)، 12

241

33. المصدر السابق ص 121-241

34. الأدب العربي الحديث (خفاجي) الجزء الثاني (مدرسة أبوللّو) 4-3 والنقد الأدبي

الحديث ص 76-72

35. هذه الفاظ مستلة في أعلّبها من الأساطير القديمة، ومن الطبيعة من فضائها الخارجي

36. النقد الأدبي الحديث ص 70-71

37. أصول النقد الأدبي تأليف احمد الشائب ص 441-461 و النقد المنهجي عندالعرب الدكتور

محمدمند و ص 375-377

38. أصول النقد الأدبي ص 541

39. في النقد الأدبي للدكتور شوقي ضيف ص 31-33 و اصول النقد الأدبي ص 541-461

40. نفس المرجع ص 741-841
عربي باي